• ×
الجمعة 19 رمضان 1445

عبدالعزيز بن سلمان يكشف خيالات أزمة النفط

 عبدالعزيز بن سلمان يكشف خيالات أزمة النفط
بواسطة fahadalawad 27-01-1437 08:53 مساءً 574 زيارات
ثقة ـ متابعات : قال نائب وزير البترول والثروة المعدنية الأمير عبدالعزيز بن سلمان بن عبدالعزيز: إن تقلبات الأسعار الحادة التي نشهدها حاليًّا مضرةٌ جدًّا بالمنتجين والمستهلكين، والعاملين في الصناعة البترولية على السواء.

وأوضح في كلمة له خلال اجتماع الطاولة المستديرة السادس لوزراء البترول والطاقة لدول آسيا، بالعاصمة القطرية الدوحة، الاثنين (27 محرم 1437 هـ) بالدوحة؛ أنه بالنسبة إلى الدول المنتجة التي تعتمد اقتصاداتها اعتمادًا كبيرًا على عوائد البترول؛ ستؤدي تلك التقلبات السعرية إلى تقليص خططها التنموية، وتعقيد إدارة اقتصاداتها الكلية. أما بالنسبة إلى الدول المستهلكة، فستؤدي تقلبات أسعار البترول إلى سيطرة حالةٍ من عدم اليقين على البيئة العامة لاقتصادها الكلي، وإلى خفض الاستثمارات وتكوين رأس المال، إضافة إلى تقليصها جدوى سياساتها الخاصة بالطاقة.

وتابع الأمير عبدالعزيز بالقول إن الأشهر القليلة الماضية كانت غير عادية بالنسبة إلى السوق البترولية، إن لم تكنْ فريدةً من نوعِها؛ فبعدَ عدةِ أعوام من الاستقرارِ النسبيّ، بدأت أسعار البترول تنخفض في النصف الثاني من عام 2014، لتفقدَ ما يزيدُ عن 50 % من قيمتها، في وقتٍ قصيرٍ نسبيًّا.

وأكد نائب وزير البترول أن حدة هذا الانخفاض وسرعته، دفعت عددًا من المحللينَ حولَ العالم، للذهاب بعيدًا في خيالهم؛ حيث عزا البعض ذلك إلى نظرياتِ المؤامرةِ، والمشكلات الجيوسياسية، فيما اعتبرَ البعضُ الآخرُ التغييراتِ الراهنةَ تغييراتٍ هيكليةً في طبيعتها، تدخلنا في نظامِ بترولي جديد، بحيث تستقرُّ الأسعارُ عندَ المستوى الحالي، أو حتى عندَ مستوياتٍ أدنى، لفترةٍ طويلةٍ ، ويتجهُ منحنى تكلفة البترول إلى الانخفاض، ويقوم منتجو الزيت الصخري الأمريكي بدور المنتج المرجِّح، ولا تؤدي منظمة الأوبك دورها في تحقيق استقرارِ السوق، أو يتضاءل هذا الدور على أحسنِ تقدير، بل إن البعض ذهب إلى أبعد من ذلك، وأعلن عن وفاةِ الأوبك، إلا أننا عندما ننظر إلى الواقع، سنجد أنَّ لكل دورةٍ من دورات أسعارِ البترول في الماضي، تحليلَها الخاص. وهذه الدورة لا تختلفُ عن سابقاتها.

وأوضح الأمير عبدالعزيز أنه على الرغم من العيوبِ الجوهرية التي تكتنفُ هذه التحليلات، فإنها تهيمنُ في الغالبِ على الأطروحاتِ المتعلقةِ بالطاقة، وتؤدي إلى تشكيل توقعات السوق وقناعاته. ولكن بالنسبة إلى دولةٍ رئيسة لديها احتياطيات هائلة من البترول، ومنتجة ومصدِّرة لكميات كبيرة، كالمملكة العربية السعودية، فإن تركيزنا دائمًا ينصبُّ على الاتجاهات طويلة الأجل، التي تشكِّل وضع السوق البترولية. وعوضًا عن اعتبار البترول سلعةً تواجهُ انخفاضًا مطردًا في الطلب، كما يحلو للبعض أن يصوروا الوضع، تُشيرُ أنماطُ العرض والطلب إلى أن الأساسيات طويلة الأجل لقطاع البترول لا تزال قويةً ومتماسكة.

وبيَّن أن أحد العيوب الجوهرية في تحليل الدورة الحالية للسوق، يتمثل في ميله إلى مقارنة الانخفاض الحالي في الأسعار بما حدث في منتصف ثمانينيات القرنِ الماضي، لكن هذه المقارنةَ، بكلِّ بساطة، تعتبر مضلِّلة. فالأوضاعُ الراهنةُ للسوق تختلفُ اختلافًا جذريًّا عما كانت عليه في تلك الفترة؛ ففي عام 1985، كان الاستهلاك العالمي للبترول يزيد قليلًا عن 59 مليون برميل يوميًّا، وبلغت الطاقة الإنتاجية غير المستغلة آنذاك مستوىً تاريخيًا تجاوز 10 ملايين برميل يوميًّا، أي نحو 17% من الاستهلاك العالمي. أما في عام 2015، فإن استهلاكَ البترول يقدر بنحو 94 مليون برميل يوميًّا، في حين أن الطاقة الإنتاجية غير المستغلة -ومعظمها في المملكة العربية السعودية- تُقَدَّرُ بنحو مليوني برميل يوميًّا فقط، وهو ما يعني أن معدل الطاقة الإنتاجية غير المستغلة حاليًّا يبلغ 2% فقط من إجمالي الاستهلاك العالمي للبترول، وهو ما يجعل قطاع البترول واحدًا من القطاعات القليلة في العالم التي تعمل بطاقة إنتاجية غير مستغلة ضئيلة، علمًا بأن الطاقة الإنتاجية غير المستغلة تُعد وثيقة تأمين وضمان ضد التغيُّرات غير المتوقعة في أوضاع السوق البترولية، وتمثل في الوقت ذاته عاملًا مهمًّا وأساسيًّا للمحافظة على استقرار أسعار البترول والاقتصاد العالمي على السواء.

وأشار الأمير عبدالعزيز إلى أن هناك اختلافًا أساسيًّا آخر عن الأوضاع في منتصف الثمانينيات. فرغم حالة عدم اليقين التي تسود توقعات الاقتصاد العالمي حاليًّا، فإن نمو الطلب على البترول لا يزال مستمرًّا في الارتفاع، ويُتَوقعُ أن ينمو بنحو 1.5 مليون برميل يوميًّا في عام 2015 الذي يعتبر أقوى نمو شهدته السوق خلال الأعوام القليلة الماضية، وهذا على نقيض الأوضاع في الثمانينيات؛ حيث انخفض الاستهلاك العالمي على البترول بين عامي 1980 و1984 بما يزيد عن 2.3 مليون برميل يوميًّا.

وقال الأمير عبدالعزيز: قد تكون هناك بعض العوائق، مثل عدم تكرار النمو الكبير الذي شهدته آسيا خلال العقود الثلاثة الأخيرة، بحيث يكون نمو الطلب على البترول معتدلًا نتيجة الجهود المتعلقة بتحسين كفاءة استخدام الطاقة، واستخدام بدائل البترول. ومع ذلك، فإن الصناعة البترولية يجب ألا تغفل عن حقيقة زيادة حجم نطاق أعمالها؛ فالعولمةُ والتصنيع والتحضر والتنميةُ المتسارعةُ -التي تعتمدُ جميعُها على الطاقة- ستستمرُّ في انتشال مئات الملايين من دائرة الفقر، وزيادة حجم الطبقة الوسطى من مستواها الحاليِّ البالغِ نحو 1.8 مليار نسمة إلى نحو 3.2 مليارات نسمة بحلول عام 2020، ثم إلى نحو 4.9 مليارات نسمة بحلول عام 2030. وهذا التوسع سيكون لقارة آسيا النصيب الأكبر منه. وستتألف الطبقة الوسطى الجديدة الناشئة من شريحة الشباب التي تتطلع إلى زيادة استهلاكها. وستسهمُ هذه التركيبة السكانية الشابة، إضافة إلى ارتفاع مستويات الدخل، في تصاعد اتجاه الطلب على الطاقة.

كما لفت إلى أن المستويات المنخفضة الحالية من الطاقة الإنتاجية غير المستغلة، وقوة تنامي الطلب العالمي، تشيران إلى أن أساسيات السوق الآن تختلف عما كانت عليه في بداية ثمانينيات القرن الماضي، ومقارنة الأوضاع الحالية بتلك الفترة مقارنةٌ في غير محلها.

وقال الأمير عبدالعزيز إن الصناعة البترولية ومنظومة الإمدادات تتأثر بالتقلبات الحادة في الأسعار؛ فقد ألغيت خلال العام الجاري وحده نحو 200 مليار دولار من الاستثمارات في هذا القطاع، كما أن الشركات العاملة في قطاع الطاقة تخطط لتخفيض استثماراتها للعام القادم بنسبة تتراوح بين 3% إلى 8%. وتُعد هذه المرة هي الأولى منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي التي يُخفّض خلالها قطاع البترول والغاز استثماراته في عامين متتاليين.

وبيَّن الأمير عبدالعزيز أنه يظهر في التحليل الحالي لأوضاع السوق البترولية، رأي يشير إلى أن هذا التخفيض في الاستثمارات والإنتاج يمكن عكسه بسرعة، عندما تبدأ أسعار البترول الارتفاع مجددًا. وهذا يعودُ إلى الرؤية القائلة بأن الدورات الاستثمارية أصبحت أقصر زمنيًّا، وأن منحنى العرض أصبح أكثر مرونةً. إلا أن هذا الرأي يعتبر متفائلًا؛ فقد أظهرت الدورات السابقة أن التأثيرات الناتجة عن انخفاض أسعار البترول هي تأثيرات طويلة الأجل، وأن التأثيرات السلبية الناتجة من أي انخفاض طويل الأجل في أسعار البترول لا يمكن علاجها بسهولة، كما يميلُ قطاع البترول خلال فترات الركود الحادة، إلى فقدان المواهب والخبرات الفنية، والمرونة المالية، إضافةً إلى فقدانه الثقة ببدء استثمارات جديدة. ولسوء الحظ، فإن كلًّا من هذه التأثيرات السلبية في قطاع البترول لا يمكن عكسها بسرعة.

وأكد في كلمته أن المملكة العربية السعودية تلتزم باعتبارها منتجًا مسؤولًا وموثوقًا به، ذا رؤية طويلة الأجل، بمواصلة الاستثمار في قطاع البترول والغاز، وبصرف النظر عن الانخفاض الذي قد تشهده الأسعار، كما تعمل المملكة حاليًّا على اتخاذ خطواتٍ واضحة تؤدي إلى تخفيض كثافة استهلاك الطاقة في الأنشطة الاقتصادية المختلفة، بتنفيذها برامج الترشيد ورفع كفاءة استهلاك الطاقة، كما اتخذت المملكة خطوات لتنويع استخدامها لمصادر الطاقة. ومن شأن هذه الإجراءات أن تعمل على ترسيخ ثقتنا بالأساسيات طويلة الأجل لأسواق الطاقة، وتبين في الوقت ذاته، الأهمية التي توليها المملكة العربية السعودية للمحافظة على إمكاناتها وقدراتها في مجال تصدير البترول، مع الاحتفاظ بطاقة إنتاجية غير مستغلة.