• ×
الأربعاء 15 شوال 1445

حرق قش الأرز يلف القاهرة والدلتا بسحابة دخان خانقة كل عام

 حرق قش الأرز يلف القاهرة والدلتا بسحابة دخان خانقة كل عام
بواسطة fahadalawad 15-12-1432 09:02 مساءً 831 زيارات
ثقة : القاهرة " رويترز "  بعد موسم حصاد الأرز في فصل الخريف من كل عام يتنفس المصريون نفسا عميقا ويستعدون لاستقبال "السحابة السوداء" وهي طبقة سميكة من الدخان الناجم عن إحراق قش الأرز تخيم على القاهرة ودلتا النيل لعدة أسابيع.
وينحي معنيون بشؤون البيئة باللائمة على إحراق "المخلفات" الزراعية وأغلبها من قش الأرز في سحابة الدخان التي تزيد هواء العاصمة الملوث بالفعل تلوثا.
وينتج المزارعون المصريون نحو 30 مليون طن مما يعتبرونها مخلفات كل عام. ويقول خبراء البيئة أن ما يحرقونه مسئول عن 42 في المئة من تلوث الهواء في فصل الخريف.
ويقول خبراء أن قش الأرز له استخدامات عديدة.
ويكمن التحدي الذي يواجه مصر التي تسعى جاهدة لأحياء اقتصادها الذي تضرر بعد الثورة التي أطاحت بنظام الرئيس السابق حسني مبارك في تطوير تقنيات منخفضة التكاليف لتحويل القش إلى لباب الورق وسماد وكربون نشط او مركبات بلاستيك وإقناع المزارعين بعدم إحراقه.
وقال جلال نوار رئيس شعبة البحوث الكيميائية بالمركز القومي للبحوث إن الدول المتقدمة ليس لديها هذا التعبير في قاموسها إذ لا توجد لديها مخلفات فهي تستخدم كل ما تنتجه.
ويقول نوار وغيره من العلماء والمعنيين بشؤون البيئة المصريين أن المزارعين الذين يحرقون قش الأرز يهدرون سلعة يمكن أن يدر كل طن منها على مصر 300 جنيه مصري (50.25 دولار).
لكن في دولة تعتمد فيها الكثير من المزارع على ملكيات محدودة وتقنيات للزراعة لم تتغير كثيرا منذ عقود او حتى قرون يحرق المزارعون نحو أربعة ملايين طن من قش الأرز في كل موسم مما يؤدي إلى انبعاث 80 ألف طن من ثاني اوكسيد الكربون.
ويظهر اكبر أثر في القاهرة التي هي واحدة من أكثر مدن العالم تلوثا ويبلغ عدد سكانها 17 مليون نسمة.
وتقع عاصمة اكبر دولة عربية من حيث عدد السكان على نهر النيل المحاط بأراض مرتفعة على جانبيه. نتيجة لهذا تحاصر الملوثات في طبقة تعلق في الجو على ارتفاع 25 مترا فقط من الأرض.
ولا يدرك المزارعون الحريصون على التخلص من القش لإفساح الأراضي لمحاصيل الشتاء قيمته.
وقال محمد صباح وهو مزارع من كفر الشيخ في دلتا النيل يزرع نحو 70 فدانا من الأرز كل عام "إحراق قش الأرز ليس في صالحنا أيضا لكنني مضطر لإحراقه لا يوجد حل اخر."
واستخدم علماء مصريون قش الأرز في مشاريع تجريبية لإنتاج مواد متنوعة بدءا من لباب الورق وانتهاء بالكربون النشط لاستخدامه في أجهزة تنقية المياه.
وحاولت وزارة البيئة احتواء مشكلة التلوث على مدى العقد المنصرم من خلال جمع قش الأرز من بعض المزارع مقابل 45 جنيها للطن. وفي العام الحالي تعاقدت مع شركة حكومية وشركتين من القطاع الخاص لجمع قش الأرز وضغطه في أجولة.
لكن الكثير من صغار المزارعين أشعلوا النيران في القش كالعادة.
وقال مصطفى السلطيسي الذي يملك مضربا للأرز في كفر الشيخ "تحيط حقول الأرز بالمضرب الخاص بنا ومازال معظم المزارعين يحرقون قش الأرز.
"كان هناك إعلان في الجريدة منذ بضعة أيام عن شركة تقول أنها ستجمع قش الأرز لكن هذا شيء جديد للغاية."
ويستخدم اغلب قش الأرز الذي يتم جمعه لإنتاج أسمدة. لكن منتقدين يقولون انه لا يمكن أن يستمر هذا لان ضغط القش ووضعه في أجولة تكلفته أعلى من الأسمدة التي تنتج.
ويقول عمرو هلال عضو الغرفة المصرية للصناعة والهندسة أن كل طنين من قش الأرز يصنعان طنا من السماد تقريبا مما يجعل تكلفة الطن 300 جنيه.
لكن طن السماد يباع بنحو 150 جنيها.
وتقدم الحكومة دعما قدره 90 جنيها لكل طن من قش الأرز تجمعه الشركات وتضغطه.
وقال هلال المشارك في عدة مشاريع للتعامل مع مشكلة مخلفات الأرز انه لا يمكن بناء الصناعات على الدعم لأنه اذا ألغي الدعم ستنهار الصناعة.
وفي أحد المشاريع التي يمولها الاتحاد الأوروبي درس هلال وشركاؤه في البحث تحويل قش الأرز إلى كربون نشط ومركبات بلاستيك من الألياف الطبيعية ولهما استخدامات صناعية محتملة مربحة.
ويستخدم الكربون النشط في معالجة المياه وتنقية السكر وصناعات الطلاء. أما مركبات البلاستيك من الألياف الطبيعية فتستعمل في صناعة الأثاث والسلع الاستهلاكية.
وقال هلال إن أجمالي سوق الكربون النشط في مصر ربما يتراوح بين خمسة وعشرة آلاف طن متري وانه لا يوجد مصنع واحد في الشرق الأوسط ينتج هذه المادة.
ويباع طن الكربون النشط المستورد من الصين بنحو 1500 دولار. ويمكن استخدام طن من قش الأرز لإنتاج نحو نصف طن من الكربون النشط.
وقال هلال إن هذا المشروع سيدر أموالا جيدة جدا.
وأنهى المشروع وهو جهد مشترك بين المركز القومي للبحوث والمعهد الألماني لتكنولوجيا البوليمرات وجامعة هنري بوانكاري نانسي الفرنسية مرحلة تجريبية. وتدرس شركة هلال التي تحمل اسم شركة قها للمشروعات البيئية الزراعية الخيارات المتاحة لتحويلها إلى صناعة.
وقال هلال إن الصعوبة لا تكمن في المال لأنه يستطيع العثور على تمويل وإنما تكمن في التكنولوجيا والمعرفة.
وينتج مشروع اخر لباب الورق من قش الأرز ويتميز بأنه لا يخلف الملوثات التي تنجم عن العمليات الأخرى. وتم الحصول على براءة الاختراع للتقنية الجديدة وسيبدأ العمل بها في يناير كانون الثاني.
وقال نوار الذي قاد مشروعا بحثيا بتمويل من الاتحاد الأوروبي ينتج نحو خمسة أطنان من لباب الورق من قش الأرز يوميا إن هذه التكنولوجيا الجديدة لا تنتج أي مخلفات.
وأضاف أنه خلال المشروع التجريبي أرسل لباب الورق إلى شركات أجنبية وأن شركة بلجيكية رأت المنتج وانبهرت به وقالت أنها مستعدة لشراء كل إنتاج مصر.
وبلغت تكلفة الوحدة التجريبية ثلاثة ملايين جنبيه لكن نوار يقول أن تكلفة الوحدات الجديدة لن تتجاوز 1.5 مليون جنيه تقريبا.
وقال نوار ان المشروع سيوفر نحو عشرة آلاف فرصة عمل اذا أنشئت عدة وحدات لان الوحدة يعمل بها عشرة أشخاص تقريبا كما ستكون هناك حاجة إلى معالجة ثلاثة ملايين طن لتلبية الطلب على لباب الورق.
وأضاف أنه يمكن القضاء على السحابة السوداء تماما.
وتحتاج مصر إلى نحو 100 ألف طن من لباب الورق كل عام.
وتنفيذ هذه المشاريع في ظل اضطراب الأوضاع الاقتصادية ليس مهمة سهلة. وأقلقت الإطاحة بمبارك المستثمرين. ويركز المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يدير مصر على مشاكل ملحة مثل موجة من الإضرابات والانتقال إلى الحكم المدني.
ويثق هلال في مشاريعه ويقول أن أكثر الاستثمارات إدرارا للربح هي الاستثمار في العلوم.