• ×
الخميس 16 شوال 1445

الأدباء في دوامة الصحافة.. ما يسرقه العمل الإعلامي اليومي وما ينتزعه الأدب!

الأدباء في دوامة الصحافة.. ما يسرقه العمل الإعلامي اليومي وما ينتزعه الأدب!
بواسطة fahadalawad 14-02-1434 04:21 صباحاً 681 زيارات
ثقة ج متابعات:  هل وجود الأديب الروائي أو القاص أو الشاعر في العمل الصحفي، يعد مكسباً له، على مستوى التجربة والتماس المباشر واليومي مع القارىء، أم أن بقاء الروائي مثلا، داخل الصحافة، سيؤثر على لغته التي ستضطر إلى تشرب كل ما يكتب من صحافة من غث أو "بليغ"! ولكن لماذا لا يكون وجود الروائي أو الشاعر داخل الصحافة فرصة ليتخلص من غموض مفترض ومحتمل في بعض الأعمال التي يجنح لها الأدباء؛ وهو الأمر الذي يحتم التفريق بين وجود الأديب في الصحافة بوصفه ناقداً أو كاتب مقال أو ارتباطه بصفحات يومية أو أسبوعية تتوجب منه قراءة وتحرير عشرات التقارير والأخبار الجيدة منها والركيكة. غير أن العمل الصحفي للأديب بلا شك، من أقرب المهن، كونها تتعلق بالكتابة بالدرجة الأولى وأيضا بسبب أن الروائي أو الأديب في الثقافة العربية، لا يجد مردودا من النشر يدفعه لترك الصحافة ومسألة تفريغ الأديب للكتابة الإبداعية لا تزال في نطاق ضيق على مستوى الفضاء الثقافي العربي. الصحافة بشكل عام والثقافية بشكل خاص، كمهنة، ليست ظاهرة جديدة، فثمة أسماء أدبية عالمية وعربية عملت في الصحافة، كجورج أورويل وخيري شلبي وجمال الغيطاني وكذلك المشاركون في هذا التحقيق وهم الروائي السعودي يوسف المحيميد والروائي العراقي سعد هادي مؤسس أول مجلة تعنى بالرواية (إليكترونيا) ومدير تحرير في جريدة الشرق الروائي السعودي محمد المرزوق إلى جانب الروائية السعودية رحاب أبو زيد.

التأثير في التجربة

ولكن هل يؤثر تورط الروائي أو الأديب في العمل الصحفي اليومي، على شكل ومضمون منتجه الإبداعي.

بداية، يستوقفنا الكاتب يوسف المحيميد، الذي "لا يعتقد أن المسألة تورط، بل هو إخفاق في إدارة الوقت، فالكاتب الذي يستطيع إدارة الوقت جيداً، سيجد أنه متفوق في الصحافة والكتابة معاً". ويضيف قائلا: "صحيح أن هناك من دخل الصحافة من بوابة الأدب فأضاع حسه الإبداعي وقاموسه الفني، ولكن هناك في المقابل من حافظ على أدواته الإبداعية، بل نقلها معه إلى الصحافة وأضاف إليها الكثير، ولا يمكن تجاهل أن الصحافة في السعودية دشنها أدباء من طراز ابن خميس والجاسر والسباعي وغيرهم.

المحيميد: لا يمكن تجاهل أن الصحافة في السعودية دشنها أدباء من طراز ابن خميس والجاسر والسباعي وغيرهم

الروائي العراقي سعد هادي الذي عمل لأكثر من عقدين في الصحافة المكتوبة، أشار معلقا: "إذا قصدت أننا كنا أمام خيارات عديدة للعمل، واخترنا الصحافة دون سواها كمهنة (ووضع الاختيار بالطبع وضع مثالي لا يتمتع به الكثيرون في عالمنا العربي) فهي ورطة بالتأكيد، واقصد بالصحافة هنا الصحافة اليومية أكثر من سواها كما اقصد بالصحفي هنا الصحفي المسؤول أكثر من غيره سواءً عن جريدة أو مجلة أو صفحة أو قسم". مضيفا: "الصحافة اليومية أشبه بالغول الذي لا يشبع من التفاصيل والأفكار والملاحظات وهو يبتلع الوقت بلا ضمير وعلى الصحفي أن يواجه هذا الغول ويحيده إن لم ينتصر عليه، هذه التجربة اليومية المستمرة تمنح الأديب قدرة على الانجاز السريع ومعالجة المشاكل الآنية كما تمنحه فرصة للاطلاع على الخفايا والأسرار قبل سواه بل والمشاركة في صنع الأحداث وهذا هو الإيجابي فيها إلا أنها تنال منه نفسياً وجسدياً وتقرض أفكاره بالتدريج ولا تمنحه الوقت الكافي لا للتفكير ولا للكتابة خارجها وهذا هو الجانب السلبي فيها. وطبعاً هناك عباقرة تخطوا كل الحدود واستطاعوا الجمع بين الصحافة والأدب.

أما الروائي السعودي محمد المرزوق فيفضل أولاً التفريق بين الروائي الذي يعمل صحافيا، والصحافي الذي يدخل عالم الرواية؛ مؤكداً أن التأثير سيكون متبادلا، لكن مع اختلاف الأثر. مضيفاً: "في الحالة الأولى ستظهر ملامح العمل الأدبي على العمل الصحافي، سيمنحه قليلا من اللغة الادبية الراقية وليست الجافة والمباشرة كما هو العمل الصحافي، من الجانب الآخر، حين يكون الكاتب صحافيا ويدخل الرواية، سنجد بين سطور الرواية ملامح صحافية سواء من حيث اللغة او التقريرية في السرد، الامر معقد ويحتاج الى تأن للفصل بينهما بالنسبة للصحافي الروائي او العكس، فهما فعل كتابة وإن اختلفت الشروط".

الروائية السعودية رحاب أبو زيد والتي عملت في (Mbc) وتعمل حاليا في مجلة القافلة، ترى أن عمل الأديب في الصحافة قد يشكل ضريبة لغوية باهظة إن لم يع الروائي أو الأديب لهذا المسألة، لأن العمل الصحفي اليومي قد يؤثر على الأسلوب الكتابي لدى الروائي أو المبدع، عندما يعود إلى كتابة النص الأدبي، حيث نلاحظ، مثلاً، التأثر بأسلوب كتابة المقالات عند كتابة نص يفترض أنه سرديٌ وروائي. مؤكدة إن كانت الرواية عالما مفتوحا على مختلف أشكال الكتابة الفنية. ومضيفة: "لو انطلقنا من زاوية أن الأدب "يجب" أن يكون موجهاً، يقدم رسالة فالروائي والأديب يضيّق الخناق على نفسه لو التزم بدور الصحافي المخبر الاستقصائي على المستويين اللغوي والبنيوي للرواية، إلاّ إذا عُرف روائياً واقعياً يعيد حياكة التاريخ واستقراء الأحداث في قالب حكاية تغدو مع الزمن شاهدة على العصر برؤية ملفتة، كما يفعل أمين معلوف ببراعة واحترافية، في حين يلتزم الصحفي بمصداقية الخبر والتحقق من ملابساته ويجيد الربط بينه وبين أحداث أخرى مقاربة أو مشابهة أو ذات علاقة خفية وهذا ما نفتقر له بحرفية في الصحافة المحلية، الأمر الذي يؤدي إلى الخلط بين المهارتين. وتشير الروائية السعودية إلى أن الازدواجية المتعبة، تظهر عندما يبدأ الكاتب الروائي بارتداء لباس الصحفي الذي يهمش صوته الخاص، لصالح موضوعية ومهنية الخبر في حين أن الكتابة في الرواية أو الإبداع مطلقة الآفاق ولا تقبل بهذا الإطار المتناقض الذي يعيشه الروائي عندما يتواجد في دوامة العمل الصحفي اليومي.

القرب من الجمهور..

أما عن ما استفاده الأديب خلال احتكاكه الصحفي اليومي، في إنتاج العمل الأدبي،

فتشير أبو زيد إلى أن وجوده في الصحافة اليومية، يعد مكسباً لتجربته الحياتية التي تنعكس على مشروعه الروائي في اكتشاف الشخوص الروائية المتنوعة والفريدة. مضيفة: أنه يكسب قربه من الشارع والأحداث، شخصيا، أما لغوياً فيؤثر على ظهور لغة مقالية أو تقريرية تميل للوضوح الذي قد يفيد في مقروئية النص، دون أن نتخلى عن عنصر التورية والغموض الذي يعتبر مركب أساس في تكوين العمل الفني.

الروائي يوسف المحيميد يؤيد أبو زيد مؤكداً أن لا بد أن يستفيد الأديب من الصحافة بشكل أو بآخر، فماركيز مثلاً كان مراسلاً صحافياً، ومعظم الأدباء العرب هم إما مراسلون، أو كتاب رأي، أو صحافيو تحرير وتقرير وما شابه. مضيفا: "أعتقد أن الأديب الذكي هو من يوظف الصحافة لخدمة أدبه، لا أن يتركها تلتهم موهبته، هي تعتمد على الكاتب نفسه، كيف يدير ووقته وموهبته".

ويرى الروائي المرزوق أن الروائي بشكل عام، وليس العامل في الصحافة فقط، يحتاج الى الاقتراب من الناس ليعبر عنهم بعض الاحيان في العمل الروائي، ان كان اراد التعبير عنهم بطبيعة الحال.

أما الروائي العراقي فيؤكد أن العمل الصحفي تجربة انسانية مثل أي عمل آخر، وهو يمنح الأديب، شاعراً كان أم روائياً حضوراً اجتماعياً ويعطيه الفرصة للتعرف على من يصنع الأحداث وكيف تصنع، كما أنه يساعده أيضاً على مراقبة تحولات الذوق والمزاج الاجتماعي عن كثب والكاتب الذكي هو من يستثمر ذلك لصالح نتاجه الأدبي، أما بخصوص ابتعاد الروائي عن الصحافة فلا اعتقد أنه سيجعله غامضاً أو بعيداً عن الواقع، لا علاقة لهذا بذاك.

التفرغ للإبداع

إلا أن العمل اليومي لا يعني بالنسبة لسعد هادي أن يكون المبدع بين ضفتي الكتابة الصحفية أو الروائية الإبداعية، مسجلا ميله للتفرغ الإبداعي معلقا: "أنا مع التفرغ الكامل للأديب باعتبار أن الأدب هو مهنة ونتاج الأديب هو عمل له مواصفات محددة كأي عمل آخر ولكن اختلال الموازين لدينا يجعل المجتمع ينظر للأديب ككائن عاطل والى نتاجه كشطحات ينجزها في أوقات فراغه، طبعاً أقصد بالأديب هنا هو من يثبت جدارته لا كل من كتب قصاصة أو دبّج فذلكة ما، منظومة النشر والإعلام في العالم المتقدم تمنح الكاتب الحقيقي فرصاً للتفرغ في فترة مبكرة من حياته غالباً بينما يظل أديبنا يكدح في كل الميادين ليحصل على قوت يومه.

بشكل ما، هل يضر المبدع الأدبي وجوده في الصحافة، يجيب محمد المرزوق: الأديب لن يضر أو يتضرر، فهو مقبول فيها اذا التزم بشروطها، فهي مهنة تتطلب مهارات خاصة مثلها مثل بقية المهن، وليست ترفا ذهنيا يمارسه من لا يجد ما يتسلى به ويفترض في الصحافي ان يكون له نصيب من الادب، فهو بالنتيجة سيعبر عن لغته العربية، ويعرف العاملون في الصحافة من يمتلك قدرة على الابداع والادب في كتابة موادهم، ومن لا يمتلك ابجديات اللغة فضلا عن معرفة بالادب العربي.

الصحافة.. كملهم للأدب

ولا يعتقد يوسف المحيميد أن وجود الأديب في الصحافة مضر، بل هو مطور ومهذب ومبدع في الصحافة، كما أن الصحافة تمده بحكايات الناس وهمومهم، والأمر الآخر أنه لم يعد ما يشغل الأديب الصحافة فحسب، بل أن الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي أصبحت تأخذ حيزاً في اهتمامه، وهي لا شك تسلب وقته، وتمنحه الكثير من الاختلاط بالناس والتحاور معهم، فتويتر وفيس بوك أصبحت بديلاً للمقاهي التي يستقي الروائيون منها أعمالهم.

في حين يعتقد سعد هادي ومن واقع تجربته في الصحافة "وهي المهنة الوحيدة التي استمررت بها منذ السبعينيات أن من الأجدى للأديب أن يكتب للصحافة من الخارج: مقالة، عمود، زاوية اسبوعية، تأملات، ذلك سيجعله على صلة ما بالصحافة ويوفر له الوسيلة لإيصال أفكاره والتي لا تدخل في سياقات النص الأدبي". مشيراً أن للكاتب دورا اجتماعيا وثقافيا لا بد أن يتحقق من خلال الصحافة مع بقائه بعيداً عنها بمسافة ما، آخذين بنظر الاعتبار توفره على مصدر آخر للعيش وعدم استجابته لمغرياتها وشجونها مضطراً.

الجفري نموذجاً

وتقدم الكاتبة رحاب أبو زيد الأديب عبد الله الجفري كمثال ونموذج للعمل الصحفي المتمرس. مشيرة بالقول: "فقد كان صحفياً منذ نعومة أظفاره ثم توجه لكتابة العمود اليومي بالصحف، فالقصة القصيرة والرواية، كما أصدر العديد من المؤلفات النثرية الميلودرامية، وبالرغم من ذلك من المستبعد بمكان أن تجد مقاله اليومي يقارب في لغته ووصفه وموضوعه ومحتواه من تأملاته الفلسفية في الكتابة الإبداعية". مضيفة: "في نظري أن الروائي الذي يمتلك حدس الصحفي وسرعة بديهته وفضوله وبحثه المستميت عن الحقيقة وليس الخبر فقط، قد يعجل بموات قصته فيما لو انساق خلف غريزة السبق، بينما تتطلب الطبخة الروائية ناراً هادئة خفيفة وتفكيراً عميقاً تحليلياً فيما لو أراد نسج خيوط قصته حول خبر واقعي (وهنا يجب أن نتذكر أنه نوع من أنواع الرواية وليس تصنيفاً، إذ أن الرواية الخيالية لها جمهورها كما أن لها أدواتها). المجاهدة بين الغريزتين أمر في غاية التعقيد، وولاء الصحفي لمطبوعته قد يتعارض مع تمرد الروائي على السائد ورغبته الدائمة في التغيير والإصلاح، العملان يشبهان نقطة تقاطع قطارين لا يلتقيان أبداً إلا بوجود ضحايا.