26 ورقة عمل توثق للجانب الإنساني في تاريخ المؤسس.. المشاركون في الندوة:
الملك عبد العزيز.. دعم للعرب والمسلمين.. إيمان بدور المرأة.. تواضع وسمو أخلاق

ثقة : الاقتصادية سيطرت مواقف الملك عبد العزيز رحمه الله المناصرة للعرب والمسلمين واستنكاره للاستعمار الغربي للعالم العربي والإسلامي على فعاليات الندوة العلمية عن الجوانب الإنسانية والاجتماعية في تاريخ المؤسس في يومها الأول، ومن شواهد ذلك ما قام به الملك عبد العزيز من دعم لثورة الدروز في سورية ضد الاستعمار الفرنسي، إضافة إلى رعاية الملك عبد العزيز لليمنيين في بريطانيا في أثناء الحرب العالمية الثانية في ظل التوتر الذي ساد العلاقات بين بريطانيا واليمن في ذلك الوقت، إلى جانب قراءة عن المواقف الإنسانية للملك عبد العزيز تضمنتها الوثائق العثمانية، تعكسها الألقاب والأوسمة التي حصل عليها من الدولة العثمانية.
كما استدل المشاركون في الندوة من خلال مواقف عدة وإشارات تاريخية لعلاقة الملك عبد العزيز مع المرأة على مكانتها العالية لديه- رحمه الله- وإيمانه الراسخ بدورها في بناء النهضة التنموية في السعودية وأدوارها المشهودة في خدمة دينها وبلادها، فضلا عن أريحية الملك القائد في تعامله مع رعيته على أسس التواضع والبساطة وسمو الأخلاق والتقدير.
وقد بدأت أمس فعاليات الندوة التي ينظمها كرسي الأمير سلمان بن عبد العزيز للدراسات التاريخية والحضارية للجزيرة العربية في جامعة الملك سعود وسط حضور من الباحثين والباحثات، المهتمين بتاريخ الملك عبد العزيز - رحمه الله - وطلاب الدراسات العليا في مجال التاريخ من مختلف مناطق المملكة العربية السعودية، وذلك في قاعة حمد الجاسر بالجامعة، التي من المخطط أن تطرح خلال اليومين المحددين 26 ورقة عمل توثق للجانب الإنساني والاجتماعي في تاريخ الملك عبد العزيز، وتأثير تلك السجايا في المرحلة التاريخية للوطن وانطباع السمات الاجتماعية بصفة عامة بتلك الجوانب الشخصية للملك عبد العزيز، وكذلك تسعى البحوث المشاركة إلى الذهاب بما استقر في الذاكرة التاريخية الوطنية من المواقف اليومية إلى القراءة المعمقة لفترة التأسيس الأولى للمملكة العربية السعودية، وذلك من خلال محاور عدة تتطرق لهذا الجانب الثري، وأول هذه المحاور هو: القراءة المستفيضة لشخصيته- رحمه الله - من منظور إنساني واجتماعي، التي تهدف إلى رصد وتوثيق وتحليل المواقف والتعاملات اليومية المحلية والدولية والمراسيم الملكية لملك المملكة العربية السعودية ومؤسسها، واستشفاف أبعادها في التأثير في بناء الولاء والوفاء واللحمة الوطنية، وستعمل البحوث المشاركة في هذا المحور على استظهار شواهد تاريخية متواترة عن إنسانية المؤسس، وترسيخه - رحمه الله - قواعد اجتماعية تعود في أصلها إلى تعاليم الإسلام ومبادئه وما اتفق معها من العادات العربية والشيم الكريمة في النسق الحياتي للناس والقرارات الحكومية ومبادئ العلاقات البينيّة في نسيج المجتمع، ثم توثيقها وتحليل أبعادها المختلفة وفق منهج علمي يتسق والتأريخ.
المحور الثاني: تعامل الملك عبد العزيز مع خصومه بعد انتصاره، التعامل المتحضر والنبيل حتى أصبح من حارب ضده أو شكك في انتصاره - رحمه الله - من بعد ذلك جلساء وأصدقاء له لسماحة شخصيته وعفوه حين مقدرته. المحور الثالث للندوة هو: التعامل الإنساني والاجتماعي للملك عبد العزيز في معاركه - طيب الله ثراه - ومواجهاته الحربية مع الخصوم والأعداء ونقاء معاملاته في هذا الإطار من شر الانتقام والأخذ بمبادئ الإسلام في الحرب.
المحور الرابع هو: مواقف جلالته - طيب الله ثراه - الإنسانية تجاه العرب والمسلمين وارتباط موقفه المساند والمؤيد لقضاياهم ودعمهم في الضوائق السياسية والاقتصادية، وشعوره الدائم - رحمه الله - بأنه جزء لا يتجزأ من الوحدة الإسلامية، وأن العالم الإسلامي جسد واحد عزته بتماسكه واتحاده.
المحور الخامس الذي تقوم عليه بعض أوراق عمل الندوة هو: الأعمال الخيرية لجلالته - طيب الله ثراه - وما قام به من جهود في هذا المجال الإنساني من تأسيس رؤية للعمل الخيري وأعمال البر وتعزيز مبادئ التكافل الاجتماعي داخل المجتمع الجديد النشأة، ومن ثَمَّ داخل العمل الحكومي بصفة ذلك تطبيقًا لتعاليم العقيدة الإسلامية وإيمانًا بها.
أما المحور السادس للندوة فهو: مساعدة الملك عبد العزيز - رحمه الله - للناس ورصد بعض جوانب العطاء التي تشف عن كرم جلالته وسخائه مع الجميع من المواطنين وغيرهم.
وانطلقت الندوة في يومها الأول بثلاث جلسات شملت 14 بحثًا، حيث ترأس الدكتور فهد السماري الأمين العام لدارة الملك عبد العزيز والمستشار التنفيذي لكرسي الأمير سلمان بن عبد العزيز للدراسات التاريخية والحضارية للجزيرة العربية الجلسة الأولى التي شملت ستة بحوث، حيث بارك رئيس الجلسة للحضور وللوسط العلمي بصفة عامة تدشين كرسي الأمير سلمان بن عبد العزيز للدراسات التاريخية والحضارية للجزيرة العربية وانطلاق أعماله برعاية الأمير سلمان بن عبد العزيز وزير الدفاع ورئيس مجلس إدارة دارة الملك عبد العزيز، مؤكدًا حرص الهيئة العلمية للكرسي على توجيهات الأمير سلمان التي وجه بها خلال رعايته لحفل التدشين، كما قدم شكره للدكتور عبد الله السبيعي على جهوده المتتابعة والمثمرة لظهور الندوة بهذا الشكل اللائق، واستهلت الجلسة ببحث للدكتور إسماعيل بن محمد البشري المدير السابق لجامعة الشارقة في الإمارات وعضو مجلس الشورى السعودي، تطرق فيه لموقف من مواقف الملك عبد العزيز المساندة للعرب والمسلمين ونصرة المظلومين واستنكاره - رحمه الله - للاستعمار الغربي للعالم العربي والإسلامي، وجاء بحث الدكتور البشري تحت عنوان: "الملك عبد العزيز وثورة الدروز (1345 - 1355هـ/ 1926 - 1936م) "وثّق من خلاله الموقف النبيل للملك عبد العزيز تجاه الدروز في سورية في مقاومتهم للاستعمار الفرنسي الذي كان قد قسّم الإقليم السوري إلى ثلاث دول من ضمنها دولة جبل الدروز وعاصمتها السويداء، وتحدث الباحث في ورقته بالتفصيل عن سير هذه الثورة العربية للدروز وتنقلها في مرحلة المقاومة الحربية من الأردن إلى السعودية فالعودة للأردن، وما قام به الملك عبد العزيز من الدعم لهذه الثورة منذ بدايتها ضد المستعمر، والمساندة لها في مرحلتها الثانية حين اتخذت شكل المقاومة العسكرية المتقطعة من الأراضي الأردنية التي كانت هي الأخرى مستعمرة بريطانية، ثم سماح الملك عبد العزيز للثورة الدرزية بقيادة سلطان الأطرش باستخدام الأراضي السعودية بعد طرد البريطانيين لهم من الأردن، وإتاحة التنقل السريع والسهل لرجال الدروز المقاومين داخل منطقة (النبك أبو نخلة) الواقعة قريبًا من القريات في شمال المملكة العربية السعودية، واستجلى الدكتور إسماعيل البشري عضو مجلس الشورى الدلالات المهمة في هذا الدعم من الملك المؤسس للثورة الدرزية العربية التي تندرج تحت إرادة الملك عبد العزيز في وحدة الصف العربي والوحدة الإسلامية.
بعد ذلك، قدم الباحث محمد رضا نصر الله عضو مجلس الشورى ورقته العلمية تحت عنوان: "علاقة الملك عبد العزيز مع معتمده القطيف عبد الله بن نصر الله"، استطلع فيها عمق العلاقة التاريخية بين وسط الجزيرة العربية وشرقها في عهد الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - من خلال العلاقات الوطيدة بين الملك المؤسس - رحمه الله - وبعض أعيان حاضرة القطيف في تلك الفترة، ومنهم عبد الله بن نصر الله وأحمد بن مهدي بن نصر الله، ومعتمده هناك عبد الله بن نصر الله، وما في هذه العلاقة من الأهمية الكبرى التي تمثلها الأحساء والقطيف للحكم في عهد الملك عبد العزيز.
وضمن مواقف الملك عبد العزيز المناصرة تجاه العرب والمسلمين ألقت الدكتورة دلال الحربي من جامعة الأميرة نورة ورقة عملها التي تطرقت لموضوع لم يطرق من قبل، وجاءت الورقة تحت عنوان "الملك عبد العزيز ورعايته لليمنيين في بريطانيا في أثناء الحرب العالمية الثانية"، وتضمنت رؤية توضيحية عن العلاقة التي سادت بين بريطانيا واليمن من جانب، واليمن والسعودية من جانب آخر في أثناء فترة الحرب العالمية الثانية في ظل توتر العلاقات بين بريطانيا والإمام يحيى بن حميد، لتصل إلى موضوع الوثيقتين اللتين احتويا على معلومات تخص طلب الإمام يحيى من المملكة العربية السعودية رعاية مصالح الرعايا اليمنيين في بريطانيا في ظل ذلك التوتر بين البلدين، ومن ثَمَّ عدم وجود تمثيل دبلوماسي يمني في بريطانيا، ويرتبط موضوع الوثيقتين التي كشفت عنها الباحثة الدكتورة دلال الحربي أمام الندوة بمسألة هجرة اليمنيين وانتشارهم في دول مختلفة، وفقدانهم الرعاية الدبلوماسية في البلاد التي هاجروا إليها، ومنها بريطانيا، واستدل البحث على جانب من الجهود التي بذلها الملك عبد العزيز - رحمه الله - ضمن اهتمامه وحرصه على مؤازرة القضايا العربية والإسلامية في أنحاء المعمورة.
وفي بحثه "مواقف إنسانية للملك عبد العزيز من واقع الوثائق العثمانية"، قدم الدكتور سهيل صابان عضو هيئة التدريس في قسم التاريخ في جامعة الملك سعود استقراءً في الوثائق العثمانية في الأرشيف العثماني في إستنبول وأرشيف الجمهورية في أنقرة التي انقسمت - حسب الباحث - إلى قسمين: الأول: الملك عبد العزيز والدولة العثمانية من واقع وثائقها عبر أربع مراحل تاريخية من واقع تطور الأحداث في الجزيرة العربية، وشخصية الملك عبد العزيز كما تعكسها تلك الوثائق، والألقاب والأوسمة التي حصل عليها من الدولة العثمانية، أما الثاني فهو مواقف إنسانية للملك عبد العزيز في الوثائق العثمانية. وتناول الباحث الدكتور سهيل صابان خمسة مواقف مع العثمانيين في هذا الإطار الإنساني، ودرس الباحث أمام الحضور الرؤية المتعمقة في تلك المواقف النبيلة لجلالته، وقدم دلالاتها من وجهة نظره، وهذه المواقف المدعمة باطلاعه على الوثائق العثمانية هي: موقفه من الكتيبة العثمانية في القصيم (1324هـ/ 1906م) التي جاءت من العراق والمدينة المنورة، إذ إن جلالته - طيب الله ثراه - أخلى سبيلها وأمّن توصيلها إلى المقر الذي قدمت منه، الموقف الإنساني الثاني توسط جلالته بالصلح بين أسرتين من الأحساء اقتتلاعام ( 1326هـ /1909م) أي قبل أن يتمكن الملك عبد العزيز من استرداد الأحساء، وإيقافه - رحمه الله - القتال بين الأسرتين، ثم تطرق الباحث للموقف الثالث الذي ظهر له في الوثائق العثمانية، وهو موقف الملك عبد العزيز مؤسس المملكة العربية السعودية من محاكمة بعض أعيان نجد في البصرة الذين اتهموا بقتل شيخ الزبير آنذاك، وذلك من خلال فحص الباحث للخطاب الذي بعثه جلالته - رحمه الله - إلى الباب العالي بإستنبول عام (1327هـ /1909م) بطلب نقل المحاكمة من البصرة إلى بغداد لضمان حكم عادل يحفظ لهؤلاء السعوديين كرامتهم وعزتهم، أما الموقف الرابع لجلالته الذي يشف عن إنسانيته المشرفة في المعارك والمواجهات فهو موقفه من الكتيبة العثمانية في الأحساء بعد سيطرته عليها عام (1331هـ/ 1913م)، حيث أمر بتوصيلها بأمن وسلام إلى البحرين ثم إلى البصرة، في دلالة على نبل المعركة عند الملك عبد العزيز عبر تاريخه العسكري، ونقاء نفسه من الانتقام والتشفي، وأظهرت الورقة تلك المبادئ الإنسانية الراقية التي انتهجها الملك عبد العزيز خلال فترة الحروب والقلاقل التي تنتهي إلى الرغبة الأكيدة لديه - طيب الله ثراه - لبناء دولة ووطن على أسس تخلو من الأحقاد والثارات.
وفي البحث الخامس للجلسة الأولى من اليوم الأول للندوة خصصت الدكتورة حصة بنت جمعان الزهراني من جامعة الأميرة نورة بحثها عن (مكانة المرأة لدى المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن) استدلت من خلال مواقف عدة وإشارات تاريخية لعلاقة الملك عبد العزيز مع المرأة على مكانتها العالية لديه - رحمه الله - وإيمانه الراسخ بدورها في بناء النهضة التنموية في المملكة العربية السعودية وأدوارها المشهودة في خدمة دينها وبلادها بصفتها نصف المجتمع، واستنبطت الباحثة الدكتورة حصة الزهراني هذه الإشارات الاجتماعية من خلال علاقات الملك عبد العزيز مع المرأة المحيطة به وبشؤونه مثل والدته وعمته وشقيقته وزوجاته وبناته وحفيداته، حيث عرف عنه حبه لأهل بيته وأسرته وعطفه عليهن والحرص على قضاء احتياجاتهن، وكذا علاقاته مع باقي نساء المجتمع، ووقفت الباحثة على مواقف عدة تظهر هذه العاطفة الفياضة من الملك تجاه المرأة، التي اتسمت بالعطف والتسامح والرعاية، إلا أن هذه العاطفة الجياشة لم ينشغل بها - طيب الله ثراه - عن أعباء الملك، بل اتخذها طاقة لاستمرار الانتصار والبناء.
واختتمت الجلسة ببحث سادس قدمه علي المهيدب من جامعة الملك سعود تطرق فيه إلى علاقة الملك عبد العزيز مع الأمراء وأعيان البلدان التي تحت سيطرته، وذلك تحت عنوان (الجانب الإنساني في مراسلات الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع أمراء وأعيان البلدان/ سدير نموذجًا)، قدم من خلاله الباحث شواهد وثائقية عن التزام الملك عبد العزيز في مراسلاته للأمراء وأعيان البلدان في سدير بعبارات أخوية تعكس الاحترام المتبادل وأريحية الملك القائد في تعامله مع رعيته على أسس التواضع والبساطة وسمو الأخلاق والتقدير ما يعكس الأمن والاستقرار النفسي والاجتماعي في البلاد بفضل تطبيق هذه المبادئ الإسلامية العظيمة.
وفي ختام الجلسة؛ أدار رئيس الجلسة الدكتور فهد بن السماري دفة المداخلات والتعقيبات والقراءات الأخرى للمواقف المذكورة من قبل الحضور من المدعوين والمدعوات، وشكر المشاركين والمشاركات الذين تقاسموا بحوث الجلسة الأولى جهدهم العلمي وتفاعلهم المميز مع فكرة الندوة وأهدافها التي ينظمها كرسي الأمير سلمان بن عبد العزيز للدراسات التاريخية والحضارية للجزيرة العربية بجامعة الملك سعود.
وترأس الدكتور محمد الملحم الجلسة الثانية التي تكونت من أربعة بحوث قدمت مزيدًا من الشواهد التاريخية من قرارات الملك عبد العزيز وأقواله وتعاملاته على شخصيته الإنسانية الراقية وقدمتها للتوثيق والدراسة، فبدأت الجلسة بالبحث المقدم من الدكتور عبد اللطيف بن دهيش أستاذ التاريخ في جامعة أم القرى عن (رعاية الملك عبد العزيز للأيتام وتأسيس دور لهم في كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة والرياض) سبر فيه الباحث البعد الاجتماعي الذي لم يكن يقل عن الأبعاد السياسية والاقتصادية والأمنية والتعليمية والصحية التي رافقت مسيرة التوحيد والبناء للمملكة العربية السعودية، واهتمامه - رحمه الله - بجانب الرعاية الاجتماعية لمن هم بحاجة إليها، وقدم الدكتور بن دهيش أمر الملك المؤسس بإنشاء ثلاثة دور للأيتام لإيواء الأطفال الأيتام في مكة المكرمة والمدينة المنورة والرياض مثالًا على هذا البعد الاجتماعي الذي حرص- رحمه الله - أن يعززه في المجتمع مع بداية انطلاقته نحو آفاق التطور والتحديث، وألقى الباحث إضاءات على مواصفات تلك الأدوار الإنسانية والاجتماعية من حيث نظافتها الجيدة والغذاء المفيد والرعاية الصحية المستمرة بما يشكل عناية نوعية لهذه الفئة مع توفير أسباب التعليم النافع، وذكر الباحث الدكتور في ورقته أن الملك عبد العزيز - رحمه الله - كان يتولى الإشراف عليها بنفسه ويقوم بزيارتها وتفقدها ويطمئن على سير التعليم فيها وتقديم الجوائز التقديرية للمتفوقين منهم في كل مناسبة، وتقديم الإعانات لأسر الأطفال الموجودين.
بعد ذلك قدم الدكتور محمد بن مسعود العجمي رئيس مجموعة وسم، قراءة تحليلية لشخصية الملك عبد العزيز من منظور إنساني طبقها على مجموعة من القبسات والومضات التي اختارها الباحث من تصرفات الملك عبد العزيز العفوية والصادقة والواردة في مؤلفات المؤرخين بصفتها شواهد متواترة من حياته، كما تعمق المؤلف بالتمعن والتأمل العلميين بمجموعة من أقوال الملك عبد العزيز في مناسبات مختلفة، وعرّضها للتشريح الفكري وما اتسمت به من السمو والعمق الإنساني وتأثير ذلك في وحدة الوطن وتلاحم المواطن والقيادة في سبيل الرقي بالمنجز الوطني، وترسية قواعد الوفاء والولاء بين الشعب السعودي الأصيل والقائد المحنك والمتزن الذي استطاع أن يوحد الشعب (الكيان) والأرض (المكان) في وحدة كاملة ومتماسكة ظلت حتى الآن علامة فارقة في التاريخ الحديث. وامتدادًا إلى التحليلات العلمية لمواقف الملك عبد العزيز وصفاته الإنسانية طرح الدكتور عبد الله بن إبراهيم العسكر عضو مجلس الشورى ورقة علمية بعنوان (إنسانية الملك عبد العزيز في الميدانين الإداري والحربي) ركز فيهما الباحث على استطلاع دور إنسانية الملك عبد العزيز التي هي جبلة وتعليم إسلامي في البناء الإداري للمملكة العربية السعودية، وتعميم هذه الإنسانية وتأصيلها في العمل الحكومي بصفته الحاكم للدولة، ودور هذه الإدارة الإنسانية في نشر مظلتها على المملكة الشاسعة المساحة والمتعددة الثقافات، ثم تطرق الباحث إلى الجانب الحربي للملك عبد العزيز الذي كانت الإنسانية صفة ملازمة في حروبه وكذا نبله وسماحته على الرغم من أن الحرب بطبيعتها تفرض الصرامة العقلية والحزم الإداري بعيدًا عن المواقف الإنسانية، وخلص الدكتور العسكر في بحثه إلى أن حياة الملك عبد العزيز تاريخ كامل ومستمر، ولا يمكن النظر إلى تاريخه كسيرة ذاتية، وهذا ما يفسر - لدى الباحث - تداخل الشواهد التاريخية الإنسانية مع إعجاب الرواة لها في شكل كان يهدد المعلومة التاريخية، وهذا ما يفسر إنسانيته رغم المتاح في الحرب من القوة والخدعة والقساوة وأيضًا التشفي بعد النصر.
وتحت عنوان (الملك عبد العزيز بين المقدرة والعفو) درست الباحثة الدكتورة أميرة مداح من جامعة أم القرى السمة الواضحة في شخصية الملك عبد العزيز التي أدهشت كثيرا من الباحثين وقبلهم أعداؤه أنفسهم، وأرجعت الباحثة تلك الصفة التي تسمو بها النفس وتعلو عن الصغائر والضغائن إلى الهدف الأسمى للملك عبد العزيز في بناء وطن، وقبل ذلك تعلقه بالشريعة الإسلامية، فكان لا يلجأ إلى الشدة إلى بعد استنفاذ كل وسائل الحوار واللين والسياسة، وكان إذا دخل حربًا اتصف بالنبل وآداب الحرب وأخلاقها، ولكنه بعد النصر لا يتشفى أو ينتقم أو يشمت، بل يسخر كل مواهبه وقواه الإنسانية والعقلية لفتح قلوب هؤلاء الخصوم ثم ضمهم تحت عملية بناء الوطن والاستفادة من خبراتهم وعلمهم في تلك العملية المستمرة، وذهبت الباحثة أميرة مداح في سبيل هذه السمة البارزة إلى دراسة وتحليل بعض الخطوط الأساسية في شخصيته - طيب الله ثراه - منها: فعاليات القيادة الإنسانية لدى الملك عبد العزيز كالعدل والاتزان والقدرة على التعامل مع الآخر، وإظهار مقدرة المؤسس - رحمه الله - في طريقة الحوار مع الآخر، ثم توثيق بعض المواقف التي أظهر فيها الملك عبد العزيز عفوه وتسامحه مع خصومه ومقدرته على العفو عند مقدرته، واستخرجت الباحثة في ختام ورقتها عبرًا واستنتاجات من هذه الصفة الإنسانية في شخصية الملك المؤسس - رحمه الله - وما آلت إليه من بناء الوطن بالحب والوفاء وتسخير طاقات العداء إلى طاقة بناء وعطاء.
كما استدل المشاركون في الندوة من خلال مواقف عدة وإشارات تاريخية لعلاقة الملك عبد العزيز مع المرأة على مكانتها العالية لديه- رحمه الله- وإيمانه الراسخ بدورها في بناء النهضة التنموية في السعودية وأدوارها المشهودة في خدمة دينها وبلادها، فضلا عن أريحية الملك القائد في تعامله مع رعيته على أسس التواضع والبساطة وسمو الأخلاق والتقدير.
وقد بدأت أمس فعاليات الندوة التي ينظمها كرسي الأمير سلمان بن عبد العزيز للدراسات التاريخية والحضارية للجزيرة العربية في جامعة الملك سعود وسط حضور من الباحثين والباحثات، المهتمين بتاريخ الملك عبد العزيز - رحمه الله - وطلاب الدراسات العليا في مجال التاريخ من مختلف مناطق المملكة العربية السعودية، وذلك في قاعة حمد الجاسر بالجامعة، التي من المخطط أن تطرح خلال اليومين المحددين 26 ورقة عمل توثق للجانب الإنساني والاجتماعي في تاريخ الملك عبد العزيز، وتأثير تلك السجايا في المرحلة التاريخية للوطن وانطباع السمات الاجتماعية بصفة عامة بتلك الجوانب الشخصية للملك عبد العزيز، وكذلك تسعى البحوث المشاركة إلى الذهاب بما استقر في الذاكرة التاريخية الوطنية من المواقف اليومية إلى القراءة المعمقة لفترة التأسيس الأولى للمملكة العربية السعودية، وذلك من خلال محاور عدة تتطرق لهذا الجانب الثري، وأول هذه المحاور هو: القراءة المستفيضة لشخصيته- رحمه الله - من منظور إنساني واجتماعي، التي تهدف إلى رصد وتوثيق وتحليل المواقف والتعاملات اليومية المحلية والدولية والمراسيم الملكية لملك المملكة العربية السعودية ومؤسسها، واستشفاف أبعادها في التأثير في بناء الولاء والوفاء واللحمة الوطنية، وستعمل البحوث المشاركة في هذا المحور على استظهار شواهد تاريخية متواترة عن إنسانية المؤسس، وترسيخه - رحمه الله - قواعد اجتماعية تعود في أصلها إلى تعاليم الإسلام ومبادئه وما اتفق معها من العادات العربية والشيم الكريمة في النسق الحياتي للناس والقرارات الحكومية ومبادئ العلاقات البينيّة في نسيج المجتمع، ثم توثيقها وتحليل أبعادها المختلفة وفق منهج علمي يتسق والتأريخ.
المحور الثاني: تعامل الملك عبد العزيز مع خصومه بعد انتصاره، التعامل المتحضر والنبيل حتى أصبح من حارب ضده أو شكك في انتصاره - رحمه الله - من بعد ذلك جلساء وأصدقاء له لسماحة شخصيته وعفوه حين مقدرته. المحور الثالث للندوة هو: التعامل الإنساني والاجتماعي للملك عبد العزيز في معاركه - طيب الله ثراه - ومواجهاته الحربية مع الخصوم والأعداء ونقاء معاملاته في هذا الإطار من شر الانتقام والأخذ بمبادئ الإسلام في الحرب.
المحور الرابع هو: مواقف جلالته - طيب الله ثراه - الإنسانية تجاه العرب والمسلمين وارتباط موقفه المساند والمؤيد لقضاياهم ودعمهم في الضوائق السياسية والاقتصادية، وشعوره الدائم - رحمه الله - بأنه جزء لا يتجزأ من الوحدة الإسلامية، وأن العالم الإسلامي جسد واحد عزته بتماسكه واتحاده.
المحور الخامس الذي تقوم عليه بعض أوراق عمل الندوة هو: الأعمال الخيرية لجلالته - طيب الله ثراه - وما قام به من جهود في هذا المجال الإنساني من تأسيس رؤية للعمل الخيري وأعمال البر وتعزيز مبادئ التكافل الاجتماعي داخل المجتمع الجديد النشأة، ومن ثَمَّ داخل العمل الحكومي بصفة ذلك تطبيقًا لتعاليم العقيدة الإسلامية وإيمانًا بها.
أما المحور السادس للندوة فهو: مساعدة الملك عبد العزيز - رحمه الله - للناس ورصد بعض جوانب العطاء التي تشف عن كرم جلالته وسخائه مع الجميع من المواطنين وغيرهم.
وانطلقت الندوة في يومها الأول بثلاث جلسات شملت 14 بحثًا، حيث ترأس الدكتور فهد السماري الأمين العام لدارة الملك عبد العزيز والمستشار التنفيذي لكرسي الأمير سلمان بن عبد العزيز للدراسات التاريخية والحضارية للجزيرة العربية الجلسة الأولى التي شملت ستة بحوث، حيث بارك رئيس الجلسة للحضور وللوسط العلمي بصفة عامة تدشين كرسي الأمير سلمان بن عبد العزيز للدراسات التاريخية والحضارية للجزيرة العربية وانطلاق أعماله برعاية الأمير سلمان بن عبد العزيز وزير الدفاع ورئيس مجلس إدارة دارة الملك عبد العزيز، مؤكدًا حرص الهيئة العلمية للكرسي على توجيهات الأمير سلمان التي وجه بها خلال رعايته لحفل التدشين، كما قدم شكره للدكتور عبد الله السبيعي على جهوده المتتابعة والمثمرة لظهور الندوة بهذا الشكل اللائق، واستهلت الجلسة ببحث للدكتور إسماعيل بن محمد البشري المدير السابق لجامعة الشارقة في الإمارات وعضو مجلس الشورى السعودي، تطرق فيه لموقف من مواقف الملك عبد العزيز المساندة للعرب والمسلمين ونصرة المظلومين واستنكاره - رحمه الله - للاستعمار الغربي للعالم العربي والإسلامي، وجاء بحث الدكتور البشري تحت عنوان: "الملك عبد العزيز وثورة الدروز (1345 - 1355هـ/ 1926 - 1936م) "وثّق من خلاله الموقف النبيل للملك عبد العزيز تجاه الدروز في سورية في مقاومتهم للاستعمار الفرنسي الذي كان قد قسّم الإقليم السوري إلى ثلاث دول من ضمنها دولة جبل الدروز وعاصمتها السويداء، وتحدث الباحث في ورقته بالتفصيل عن سير هذه الثورة العربية للدروز وتنقلها في مرحلة المقاومة الحربية من الأردن إلى السعودية فالعودة للأردن، وما قام به الملك عبد العزيز من الدعم لهذه الثورة منذ بدايتها ضد المستعمر، والمساندة لها في مرحلتها الثانية حين اتخذت شكل المقاومة العسكرية المتقطعة من الأراضي الأردنية التي كانت هي الأخرى مستعمرة بريطانية، ثم سماح الملك عبد العزيز للثورة الدرزية بقيادة سلطان الأطرش باستخدام الأراضي السعودية بعد طرد البريطانيين لهم من الأردن، وإتاحة التنقل السريع والسهل لرجال الدروز المقاومين داخل منطقة (النبك أبو نخلة) الواقعة قريبًا من القريات في شمال المملكة العربية السعودية، واستجلى الدكتور إسماعيل البشري عضو مجلس الشورى الدلالات المهمة في هذا الدعم من الملك المؤسس للثورة الدرزية العربية التي تندرج تحت إرادة الملك عبد العزيز في وحدة الصف العربي والوحدة الإسلامية.
بعد ذلك، قدم الباحث محمد رضا نصر الله عضو مجلس الشورى ورقته العلمية تحت عنوان: "علاقة الملك عبد العزيز مع معتمده القطيف عبد الله بن نصر الله"، استطلع فيها عمق العلاقة التاريخية بين وسط الجزيرة العربية وشرقها في عهد الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - من خلال العلاقات الوطيدة بين الملك المؤسس - رحمه الله - وبعض أعيان حاضرة القطيف في تلك الفترة، ومنهم عبد الله بن نصر الله وأحمد بن مهدي بن نصر الله، ومعتمده هناك عبد الله بن نصر الله، وما في هذه العلاقة من الأهمية الكبرى التي تمثلها الأحساء والقطيف للحكم في عهد الملك عبد العزيز.
وضمن مواقف الملك عبد العزيز المناصرة تجاه العرب والمسلمين ألقت الدكتورة دلال الحربي من جامعة الأميرة نورة ورقة عملها التي تطرقت لموضوع لم يطرق من قبل، وجاءت الورقة تحت عنوان "الملك عبد العزيز ورعايته لليمنيين في بريطانيا في أثناء الحرب العالمية الثانية"، وتضمنت رؤية توضيحية عن العلاقة التي سادت بين بريطانيا واليمن من جانب، واليمن والسعودية من جانب آخر في أثناء فترة الحرب العالمية الثانية في ظل توتر العلاقات بين بريطانيا والإمام يحيى بن حميد، لتصل إلى موضوع الوثيقتين اللتين احتويا على معلومات تخص طلب الإمام يحيى من المملكة العربية السعودية رعاية مصالح الرعايا اليمنيين في بريطانيا في ظل ذلك التوتر بين البلدين، ومن ثَمَّ عدم وجود تمثيل دبلوماسي يمني في بريطانيا، ويرتبط موضوع الوثيقتين التي كشفت عنها الباحثة الدكتورة دلال الحربي أمام الندوة بمسألة هجرة اليمنيين وانتشارهم في دول مختلفة، وفقدانهم الرعاية الدبلوماسية في البلاد التي هاجروا إليها، ومنها بريطانيا، واستدل البحث على جانب من الجهود التي بذلها الملك عبد العزيز - رحمه الله - ضمن اهتمامه وحرصه على مؤازرة القضايا العربية والإسلامية في أنحاء المعمورة.
وفي بحثه "مواقف إنسانية للملك عبد العزيز من واقع الوثائق العثمانية"، قدم الدكتور سهيل صابان عضو هيئة التدريس في قسم التاريخ في جامعة الملك سعود استقراءً في الوثائق العثمانية في الأرشيف العثماني في إستنبول وأرشيف الجمهورية في أنقرة التي انقسمت - حسب الباحث - إلى قسمين: الأول: الملك عبد العزيز والدولة العثمانية من واقع وثائقها عبر أربع مراحل تاريخية من واقع تطور الأحداث في الجزيرة العربية، وشخصية الملك عبد العزيز كما تعكسها تلك الوثائق، والألقاب والأوسمة التي حصل عليها من الدولة العثمانية، أما الثاني فهو مواقف إنسانية للملك عبد العزيز في الوثائق العثمانية. وتناول الباحث الدكتور سهيل صابان خمسة مواقف مع العثمانيين في هذا الإطار الإنساني، ودرس الباحث أمام الحضور الرؤية المتعمقة في تلك المواقف النبيلة لجلالته، وقدم دلالاتها من وجهة نظره، وهذه المواقف المدعمة باطلاعه على الوثائق العثمانية هي: موقفه من الكتيبة العثمانية في القصيم (1324هـ/ 1906م) التي جاءت من العراق والمدينة المنورة، إذ إن جلالته - طيب الله ثراه - أخلى سبيلها وأمّن توصيلها إلى المقر الذي قدمت منه، الموقف الإنساني الثاني توسط جلالته بالصلح بين أسرتين من الأحساء اقتتلاعام ( 1326هـ /1909م) أي قبل أن يتمكن الملك عبد العزيز من استرداد الأحساء، وإيقافه - رحمه الله - القتال بين الأسرتين، ثم تطرق الباحث للموقف الثالث الذي ظهر له في الوثائق العثمانية، وهو موقف الملك عبد العزيز مؤسس المملكة العربية السعودية من محاكمة بعض أعيان نجد في البصرة الذين اتهموا بقتل شيخ الزبير آنذاك، وذلك من خلال فحص الباحث للخطاب الذي بعثه جلالته - رحمه الله - إلى الباب العالي بإستنبول عام (1327هـ /1909م) بطلب نقل المحاكمة من البصرة إلى بغداد لضمان حكم عادل يحفظ لهؤلاء السعوديين كرامتهم وعزتهم، أما الموقف الرابع لجلالته الذي يشف عن إنسانيته المشرفة في المعارك والمواجهات فهو موقفه من الكتيبة العثمانية في الأحساء بعد سيطرته عليها عام (1331هـ/ 1913م)، حيث أمر بتوصيلها بأمن وسلام إلى البحرين ثم إلى البصرة، في دلالة على نبل المعركة عند الملك عبد العزيز عبر تاريخه العسكري، ونقاء نفسه من الانتقام والتشفي، وأظهرت الورقة تلك المبادئ الإنسانية الراقية التي انتهجها الملك عبد العزيز خلال فترة الحروب والقلاقل التي تنتهي إلى الرغبة الأكيدة لديه - طيب الله ثراه - لبناء دولة ووطن على أسس تخلو من الأحقاد والثارات.
وفي البحث الخامس للجلسة الأولى من اليوم الأول للندوة خصصت الدكتورة حصة بنت جمعان الزهراني من جامعة الأميرة نورة بحثها عن (مكانة المرأة لدى المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن) استدلت من خلال مواقف عدة وإشارات تاريخية لعلاقة الملك عبد العزيز مع المرأة على مكانتها العالية لديه - رحمه الله - وإيمانه الراسخ بدورها في بناء النهضة التنموية في المملكة العربية السعودية وأدوارها المشهودة في خدمة دينها وبلادها بصفتها نصف المجتمع، واستنبطت الباحثة الدكتورة حصة الزهراني هذه الإشارات الاجتماعية من خلال علاقات الملك عبد العزيز مع المرأة المحيطة به وبشؤونه مثل والدته وعمته وشقيقته وزوجاته وبناته وحفيداته، حيث عرف عنه حبه لأهل بيته وأسرته وعطفه عليهن والحرص على قضاء احتياجاتهن، وكذا علاقاته مع باقي نساء المجتمع، ووقفت الباحثة على مواقف عدة تظهر هذه العاطفة الفياضة من الملك تجاه المرأة، التي اتسمت بالعطف والتسامح والرعاية، إلا أن هذه العاطفة الجياشة لم ينشغل بها - طيب الله ثراه - عن أعباء الملك، بل اتخذها طاقة لاستمرار الانتصار والبناء.
واختتمت الجلسة ببحث سادس قدمه علي المهيدب من جامعة الملك سعود تطرق فيه إلى علاقة الملك عبد العزيز مع الأمراء وأعيان البلدان التي تحت سيطرته، وذلك تحت عنوان (الجانب الإنساني في مراسلات الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع أمراء وأعيان البلدان/ سدير نموذجًا)، قدم من خلاله الباحث شواهد وثائقية عن التزام الملك عبد العزيز في مراسلاته للأمراء وأعيان البلدان في سدير بعبارات أخوية تعكس الاحترام المتبادل وأريحية الملك القائد في تعامله مع رعيته على أسس التواضع والبساطة وسمو الأخلاق والتقدير ما يعكس الأمن والاستقرار النفسي والاجتماعي في البلاد بفضل تطبيق هذه المبادئ الإسلامية العظيمة.
وفي ختام الجلسة؛ أدار رئيس الجلسة الدكتور فهد بن السماري دفة المداخلات والتعقيبات والقراءات الأخرى للمواقف المذكورة من قبل الحضور من المدعوين والمدعوات، وشكر المشاركين والمشاركات الذين تقاسموا بحوث الجلسة الأولى جهدهم العلمي وتفاعلهم المميز مع فكرة الندوة وأهدافها التي ينظمها كرسي الأمير سلمان بن عبد العزيز للدراسات التاريخية والحضارية للجزيرة العربية بجامعة الملك سعود.
وترأس الدكتور محمد الملحم الجلسة الثانية التي تكونت من أربعة بحوث قدمت مزيدًا من الشواهد التاريخية من قرارات الملك عبد العزيز وأقواله وتعاملاته على شخصيته الإنسانية الراقية وقدمتها للتوثيق والدراسة، فبدأت الجلسة بالبحث المقدم من الدكتور عبد اللطيف بن دهيش أستاذ التاريخ في جامعة أم القرى عن (رعاية الملك عبد العزيز للأيتام وتأسيس دور لهم في كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة والرياض) سبر فيه الباحث البعد الاجتماعي الذي لم يكن يقل عن الأبعاد السياسية والاقتصادية والأمنية والتعليمية والصحية التي رافقت مسيرة التوحيد والبناء للمملكة العربية السعودية، واهتمامه - رحمه الله - بجانب الرعاية الاجتماعية لمن هم بحاجة إليها، وقدم الدكتور بن دهيش أمر الملك المؤسس بإنشاء ثلاثة دور للأيتام لإيواء الأطفال الأيتام في مكة المكرمة والمدينة المنورة والرياض مثالًا على هذا البعد الاجتماعي الذي حرص- رحمه الله - أن يعززه في المجتمع مع بداية انطلاقته نحو آفاق التطور والتحديث، وألقى الباحث إضاءات على مواصفات تلك الأدوار الإنسانية والاجتماعية من حيث نظافتها الجيدة والغذاء المفيد والرعاية الصحية المستمرة بما يشكل عناية نوعية لهذه الفئة مع توفير أسباب التعليم النافع، وذكر الباحث الدكتور في ورقته أن الملك عبد العزيز - رحمه الله - كان يتولى الإشراف عليها بنفسه ويقوم بزيارتها وتفقدها ويطمئن على سير التعليم فيها وتقديم الجوائز التقديرية للمتفوقين منهم في كل مناسبة، وتقديم الإعانات لأسر الأطفال الموجودين.
بعد ذلك قدم الدكتور محمد بن مسعود العجمي رئيس مجموعة وسم، قراءة تحليلية لشخصية الملك عبد العزيز من منظور إنساني طبقها على مجموعة من القبسات والومضات التي اختارها الباحث من تصرفات الملك عبد العزيز العفوية والصادقة والواردة في مؤلفات المؤرخين بصفتها شواهد متواترة من حياته، كما تعمق المؤلف بالتمعن والتأمل العلميين بمجموعة من أقوال الملك عبد العزيز في مناسبات مختلفة، وعرّضها للتشريح الفكري وما اتسمت به من السمو والعمق الإنساني وتأثير ذلك في وحدة الوطن وتلاحم المواطن والقيادة في سبيل الرقي بالمنجز الوطني، وترسية قواعد الوفاء والولاء بين الشعب السعودي الأصيل والقائد المحنك والمتزن الذي استطاع أن يوحد الشعب (الكيان) والأرض (المكان) في وحدة كاملة ومتماسكة ظلت حتى الآن علامة فارقة في التاريخ الحديث. وامتدادًا إلى التحليلات العلمية لمواقف الملك عبد العزيز وصفاته الإنسانية طرح الدكتور عبد الله بن إبراهيم العسكر عضو مجلس الشورى ورقة علمية بعنوان (إنسانية الملك عبد العزيز في الميدانين الإداري والحربي) ركز فيهما الباحث على استطلاع دور إنسانية الملك عبد العزيز التي هي جبلة وتعليم إسلامي في البناء الإداري للمملكة العربية السعودية، وتعميم هذه الإنسانية وتأصيلها في العمل الحكومي بصفته الحاكم للدولة، ودور هذه الإدارة الإنسانية في نشر مظلتها على المملكة الشاسعة المساحة والمتعددة الثقافات، ثم تطرق الباحث إلى الجانب الحربي للملك عبد العزيز الذي كانت الإنسانية صفة ملازمة في حروبه وكذا نبله وسماحته على الرغم من أن الحرب بطبيعتها تفرض الصرامة العقلية والحزم الإداري بعيدًا عن المواقف الإنسانية، وخلص الدكتور العسكر في بحثه إلى أن حياة الملك عبد العزيز تاريخ كامل ومستمر، ولا يمكن النظر إلى تاريخه كسيرة ذاتية، وهذا ما يفسر - لدى الباحث - تداخل الشواهد التاريخية الإنسانية مع إعجاب الرواة لها في شكل كان يهدد المعلومة التاريخية، وهذا ما يفسر إنسانيته رغم المتاح في الحرب من القوة والخدعة والقساوة وأيضًا التشفي بعد النصر.
وتحت عنوان (الملك عبد العزيز بين المقدرة والعفو) درست الباحثة الدكتورة أميرة مداح من جامعة أم القرى السمة الواضحة في شخصية الملك عبد العزيز التي أدهشت كثيرا من الباحثين وقبلهم أعداؤه أنفسهم، وأرجعت الباحثة تلك الصفة التي تسمو بها النفس وتعلو عن الصغائر والضغائن إلى الهدف الأسمى للملك عبد العزيز في بناء وطن، وقبل ذلك تعلقه بالشريعة الإسلامية، فكان لا يلجأ إلى الشدة إلى بعد استنفاذ كل وسائل الحوار واللين والسياسة، وكان إذا دخل حربًا اتصف بالنبل وآداب الحرب وأخلاقها، ولكنه بعد النصر لا يتشفى أو ينتقم أو يشمت، بل يسخر كل مواهبه وقواه الإنسانية والعقلية لفتح قلوب هؤلاء الخصوم ثم ضمهم تحت عملية بناء الوطن والاستفادة من خبراتهم وعلمهم في تلك العملية المستمرة، وذهبت الباحثة أميرة مداح في سبيل هذه السمة البارزة إلى دراسة وتحليل بعض الخطوط الأساسية في شخصيته - طيب الله ثراه - منها: فعاليات القيادة الإنسانية لدى الملك عبد العزيز كالعدل والاتزان والقدرة على التعامل مع الآخر، وإظهار مقدرة المؤسس - رحمه الله - في طريقة الحوار مع الآخر، ثم توثيق بعض المواقف التي أظهر فيها الملك عبد العزيز عفوه وتسامحه مع خصومه ومقدرته على العفو عند مقدرته، واستخرجت الباحثة في ختام ورقتها عبرًا واستنتاجات من هذه الصفة الإنسانية في شخصية الملك المؤسس - رحمه الله - وما آلت إليه من بناء الوطن بالحب والوفاء وتسخير طاقات العداء إلى طاقة بناء وعطاء.