• ×
الجمعة 24 شوال 1445

تراكم القروض.. القشة التي تقصم ظهر الاقتصاد السعوديون يقترضون 205 مليارات في 5 سنوات لاقتناء السيارات

تراكم القروض.. القشة التي تقصم ظهر الاقتصاد السعوديون يقترضون 205 مليارات في 5 سنوات لاقتناء السيارات
بواسطة fahadalawad 23-04-1433 06:54 صباحاً 822 زيارات
ثقة : م (الجزيرة) 
يعتقد البعض أن التمويل هو مجرد قروض تقدمها جهات مقرضة إلى أطراف مقترضة، وينتهي الأمر، إلا أن الحقيقة غير ذلك. فالتمويل هو قلب الأداء الاقتصادي في أي اقتصاد حديث، إلا أن هذا التمويل قد يسير في طريق إنتاجي أو في طريق استهلاكي.. وكل تمويل إنتاجي أو تمويل لشركات يضيف للاقتصاد قوة ونمواً، في حين أن كل تمويل استهلاكي قد يلبي ضرورات معيشية أحياناً، ولكنه ربما يكون ترفاً يتسبب في أزمات لا تنتهي.. بل إن البعض يعتبر سوق التمويل الشخصي هو موطن كل الأزمات، وبخاصة عندما يتحوّل غالبية الأفراد إلى مقترضين أو صافي مستهلكين.. فمنْ ينتج إذا كان الجميع مستهلكين ومقترضين؟ ولماذا يقترضون إذا كانت مستويات الدخول مرتفعة؟ وما هو أصعب، كيف تأتي التسهيلات الشخصية سهلة ومرنة، في مقابل صعوبات كبيرة تعترض طريق التمويل الإنتاجي للشركات؟ ولماذا تفضل البنوك التمويل الشخصي ولا تفضل التجاري أو الصناعي؟ وكيف ظهر الممولون خارج الجهاز المصرفي؟ وكيف تضخمت قيمة تمويلاتهم بهذه الصورة؟.. إنها أسئلة كثيرة ومتعددة ولا تنتهي. إذا حاولت أن تتعرف على سوق التمويل الشخصي ومشاكله.. والأهم تداعياته وما يمكن أن يصير إليه حال الأفراد بعد مرور فترة من الزمن.

تنوُّع الممولين في سوق التمويل الشخصي

يتكون سوق التمويل الشخصي من عدة مكونات، وتعتبر البنوك التجارية هي عموده الفقري في كل الدول، إلا أنه بالمملكة يتصف هذا السوق بسمات خاصة، أبرزها دخول أطراف جدد (ممولين غير مصرفيين) ، أصبحوا ينافسون البنوك في تقديم القروض الاستهلاكية. ويمكن توصيف الممولين للقروض الاستهلاكية فيما يلي:

البنوك التجارية ، والبنك السعودي للتسليف والادخار ، وشركات البيع بالتقسيط ، وشركات التمويل العقاري ، والأفراد الممولين خارج المصارف.. فبالرغم من أن البنك السعودي للتسليف يمول مشاريع تجارية أو صناعية غالباً، إلا أنه يقدم قروضاً اجتماعية أو سلفاً تكون أقرب للتمويل الشخصي.. أيضاً شركات البيع بالتقسيط، رغم أنها كانت قاصرة في الماضي على تقديم منتجات قليلة القيمة بالتقسيط، إلا أنها تحولت خلال الفترة الأخيرة إلى ممول شخصي بشكل كامل، وبخاصة في ضوء انتشار ظاهرة حرق السلع، بمعنى أن يقوم الفرد بشراء سيارة بالتقسيط بقيمة معينة، ثم يقوم ببيعها بقيمة أقل بالنقد. وقد انتشرت هذه الصيغة كثيراً حتى رغم اشتراط الشركات المقسطة عدم إمكانية بيع المنتج قبل سداد قيمته. كذلك الحال، فقد انتشر بالسوق ممولون من خارج المصارف، يقدمون قروضاً شخصية بضمانات مخففة.

الممولون يفضّلون الشخصي على الإنتاجي

لا تزال البنوك التجارية هي الممول الرئيس في السوق السعودي.. إلا أن الشاهد أن هذه البنوك تسوّق بكل قوتها لتقديم القروض الشخصية الاستهلاكية، حتى إنها باتت تسوّقها على الموظفين بالقطاعين العام والخاص بمكاتبهم وتلح في تقديم تسهيلاتها لهم.. وكل يوم تتحايل البنوك لتقديم تسهيلات جديدة للقروض الاستهلاكية، تارة بالجذب بالقروض الإسلامية، وتارة بسعر فائدة منخفض، وتارة بفترات سداد طويلة.. وفي الغالب فإن الحصول على قرض شخصي لا يتجاوز فترة يومين إلى ثلاثة أيام في معظم البنوك حالياً.. على الجانب الآخر، فإن الحصول على قرض إنتاجي لمشروع (صناعي أو تجاري أو زراعي أو خدمي) من أي بنك يُعتبر غاية في الصعوبة ويواجه تعقيداً في الإجراءات.. فالمستثمر يحتاج من 2-6 شهور لتقديم دراسة جدوى ومستندات وإثبات جدية ومراجعات ورهون وغيرها، ونسبة النجاح في الحصول على أي قرض صناعي لأي شاب تكون ضعيفة.. ويعود ذلك، إلى اعتبار أن القروض الشخصية مضمونة بضمان راتب المقترض، في حين أن القروض الإنتاجية تمتلك درجة مخاطرة عالية في كثير من الأحيان.. وليس أدل على ذلك، أن قيمة القروض الشخصية للأفراد تفوقت على قيمة الائتمان طويل الأجل الذي لم يزد عن 235 مليار ريال في 2011م. وقد بلغ إجمالي الائتمان المصرفي في نفس العام حوالي 857 مليار ريال، في حين بلغ حجم القروض الاستهلاكية حوالي 242.2 مليار ريال، أي أن الاستهلاكية تعادل حوالي 28.3% من إجمالي الائتمان المصرفي، وهي نسبة مرتفعة، كان يجب أن لا تصل إلى هذا الحد.

التمويل الشخصي.. استهلاكي تُسيطر عليه السيارات

يُعتبر توصيف القروض الشخصية بالاستهلاكية هو التوصيف الأكثر دقة لها.. وتسير القروض الاستهلاكية للأفراد في أربعة طرق رئيسة: إما تمويل عقاري أو سيارات ومعدات أو بطاقات ائتمان، في المقابل يتوزّع أكثر من نصف هذا التمويل على قطاعات ومجالات أخرى عديدة غير محددة.. وتساهم السيارات بنسبة 20.4% في إجمالي القروض الشخصية، وبقيمة 49.4 مليار ريال في 2011م وحدها، وهي قيمة تستدعي المراجعة والنظر.. لماذا تصل قيمة القروض الاستهلاكية في السيارات وحدها إلى هذه القيمة المرتفعة؟ فخلال السنوات الخمس الأخيرة (2007-2011م) تم استهلاك حوالي 205 مليارات ريال كقروض للسيارات.. ورغم أن الإحصاءات الرسمية تشير إلى أنها سيارات ومعدات، إلا أن مجيئها تحت بند القروض الاستهلاكية، يجعلها جميعاً سيارات أو معدات شخصية وليست رأسمالية.. ولو وزعنا هذا الرقم المنفق على قروض السيارات على عدد الأسر بالمملكة (سواء من السعوديين أو غير السعوديين) لاكتشفنا أن كل الأسر بالمملكة اقترضت ما يعادل 50 ألف ريال للسيارات. أما الشيء المستغرب فعلاً، فهو أن قروض التمويل العقاري جاءت أقل كثيراً عن قروض السيارات، فقد بلغت الأولى لتمويل العقار حوالي 29.3 مليار ريال في مقابل 49.4 مليار ريال لقروض السيارات، رغم أنه من المعروف أن المساكن والعقارات تكون قيمتها أعلى كثيراً من قيم السيارات.. ويُعتبر الإنفاق على العقار أقرب إلى الإنفاق الرأسمالي رغم أنه إنفاق شخصي، إلا أن الإنفاق على السيارات يُعتبر إنفاقاً شخصياً به جانب من الترف أكثر منه ضرورة، حتى رغم كون السيارة الوسيلة الرئيسة للنقل بالمملكة، وتنال أهمية في ضوء اتساع الرقعة الجغرافية للمملكة وتباعد المدن عن بعضها البعض.

سوق التمويل الشخصي.. بلا سقف للطلب

كل نشاط اقتصادي يكون عليه طلب معين له سقف، وترتبط جدوى هذا النشاط بهذا الحجم من الطلب، باستثناء سوق التمويل فإنه بلا سقف للطلب.. فسوق التمويل منتجه الرئيس هو السيولة النقدية، وهذه السيولة تستطيع توزيع أي كمية منها بسهولة وخلال فترة وجيزة جداً.. وكون أن هذه السيولة عليها طلب عالٍ جداً وغير محدود وكون المعروض منها قليلاً دائماً، فإنها تُعتبر من السلع النادرة.

لماذا الاقتراض؟.. كثير من الدراسات أشارت إلى إن الاقتراض في السوق السعودي يأتي من دوافع رئيسة، هي الاقتراض بغرض شراء سيارة ، والاقتراض لبناء أو شراء مسكن ، والاقتراض بغرض سوق الأسهم ، الاقتراض للسفر والسياحة ، الاقتراض بغرض سداد قرض قديم ، الاقتراض بغرض الاستثمار أو التجارة عموماً ، الاقتراض بغرض التعليم أو العلاج.

تشير دراسات سابقة إلى أن نسبة المقترضين بالمملكة (سعوديين وغيرهم) قد تصل إلى 20.0% تقريباً من عدد السكان، وأشارت إحدى الدراسات السابقة إلى أن عدد المواطنين المقترضين قد يصل إلى 4.5 مليون فرد، إضافة إلى حوالي 461 ألف مقيم.. وإذا كانت هذه الأرقام خاصة بفترة ماضية تعود إلى 2007م، فإنها مرشحة للارتفاع لتصل إلى حوالي 6.0 ملايين فرد مقترض من الجهاز المصرفي وخارج الجهاز المصرفي في 2012م. وبسهولة وبمعرفة أن عدد الأسر بالمملكة يصل إلى حوالي 5.0 ملايين أسرة مثلاً، يُمكن اعتبار أن كافة الأسر مقترضة.. وبالطبع ليست كلها مقترضة، ولكن نسبة منها تقترض أكثر من مرة.

تداعيات الاقتراض الشخصي غير الحذر

الاقتراض الشخصي له مخاطر عديدة، أهمها أن التعثر عن السداد قد يسحب الفرد المقترض إلى دوامة الاقتراض الجديد لسداد القرض القديم، أو الاقتراض لتغطية خدمات القرض.. ثم إن المقترض تراكمياً قد يعيش مقترضاً طيلة حياته.. ثم إن الاقتراض لتغطية نفقات شخصية يعتبر من أخطر مجالات الاقتراض، لأنه يدفع الفرد لتغطية فارق مستوى معيشي من خلال الاقتراض، وهذا الفارق يستمر معه طيلة حياته.. ومن أهم مجالات هذا الاقتراض السلبي، الاقتراض بغرض السفر أو السياحة أو الاحتفالات أو الولائم، أو ما يمكن تسميته بالاقتراض الترفي أو الاقتراض للوجاهة.