مُلحن «الأماكن»: هؤلاء «خربوني» وأجبروني على ركوب موجة الأغنية السريعة.. والفنانون كرهوني!
ثقة ج متابعات: لا يعنينا أبداً إن كان هناك خلاف مع هذه المطربة أو ذاك المغني.. لم نلتقه لنخوض لهو حديث الإثارة المستهلك في الصحافة وإنما مضينا لنغوص في عمق تجربته الموسيقية، مقلبين معه هموم الواقع الغنائي، بحثاً عن جواب لسؤال مؤرق، حول، تردي "ذوق" الأغنية المحلية، انطلاقاً من معايشته للواقع اليومي للأغنية السعودية، إما مع الجيل الغنائي الجديد والصاعد، وإما مع الأسماء المتسيّدة للمشهد الغنائي منذ زمن. ناصر الصالح، الملحن القدير وصاحب اللحن الأيقونة (الأماكن)؛ في رفقة "الرياض"، ليرفع سقف البوح، منتقداً ذاته بجرأة، قبل الآخرين، ضمن حديث لم يخل من المكاشفة، أبحر فيه الصالح عكس التيار!.
الفنانون يبحثون عن كلمات الإثارة وأي شيء يخدش الحياء ينجح!
* تحدثت مؤخراً عن مسألة غاية في الأهمية وهي العودة للاهتمام باللحن الطربي، متعدد المقامات، خصوصاً بعد أن أغرقت الساحة بهذا الكم من الأغاني السريعة والاستهلاكية؟
- المرحلة القادمة ستشهد ولادة أغانٍ طربية، وفي الحقيقية نحن لسنا متعمدين الابتعاد عنها وإنما الأجواء التي مررنا بها في السنوات الأخيرة أصبح المطربون مقلّون في تقديم مثل هكذا ألوان. وهنا أؤكد أن الكلام موجه للمطربين، فنحن ملحنين؛ نلحن كي يغني لنا المطربون، سواء أغان "مكبلهة" أو سريعة. الفترة الماضية، كان الفنانون الشباب مهتمين أكثر بالأغنية السريعة أو الخفيفة لأنهم يعتقدون أنها هي التي تشغلهم في الأفراح والحفلات، عكس الأغنية الطربية، التي يعتقد المطربون الشباب أيضاً، أن ليس لها مستمعين. أنا معهم في جزء ولست معهم في الجزء المتعلق باختياراتهم للأغنية السريعة. بالنسبة إلي، أعتقد قدمت كمية كبيرة من ألحان الأغاني السريعة والناجحة، تلك الأغاني التي يطلق عليها أغاني السوق، وبالتالي لاحظ كثير من محبي ناصر الصالح وأنا ايضاً، أني مقل في تقديم الأعمال الغنائية غير السريعة.. وكما أشرت لك الأمر يعود بالدرجة الأولى إلى ما يطلبه المطربون مني ولا يوجد طلب من المطربين الشباب على الأعمال الطربية.
«سحرني حلاها» أغنية للسوق فقط! لو طرحت على فنان شاب غناء الفصيح لما زارني ثانيةً!
* هل هذا يعود أيضاً لمستوى الوعي الفني والموسيقي للمطرب، هذه الأيام؟
- سأحدثك عني، أنظر، الناس تعودوا علي مع مطربين معينين كمحمد عبده ونوال، وبالتالي رجعت في ألبوم نوال القادم إلى تقديم أغاني "طربية"، ستجد هذا الشيء في الألبوم الجديد للفنانة (نوال) وهو من كلمات الشاعر عبدالله أبو راس وهو عمل ينتظره كثير من عشاق نوال وأيضاً ناصر الصالح في الألحان الطربية. وأيضاً لدي عمل قادم مع الفنان ماجد المهندس هو عمل "مكبله"، وبه مقامات (خارج ألبومه) وكذلك مع الفنان سعد الفهد وكلاهما في ذات الاتجاه. وأنا أعد بأني سأرجع للناس بأعمال دسمة وأعمال طربية.. لأني اعتقد أننا أكثرنا من الأغاني الخفيفة والناس بدأت تمل من هذه الأغاني وأنا نفسي بدأت استمل منها لكي نعود ونغني طرب له قيمة فنية.
للإعلام دور كبير في تغيير الساحة الفنية نريد موسيقى في أغنياتنا.. شبعنا كلاماً!
* خصوصاً لأن الأغنية السعودية بسبب هذا الابتعاد فقدت كثيراً من وهجها؟
- بلا شك، لأن الأغنية السريعة مهما كانت لا تبين ثقافتك ولا إمكانات الملحن الموسيقية، أغنية "طقطوقة"، تقدم من مقام واحد ومكان واحد، كيف يمكن أن تظهر إمكانات الملحن أو المطرب؟؛ ولكن العمل المتكامل هو تلك الأعمال التي تعودنا سماعها من عمالقة الفن في بداياتها في المملكة، على يد عمر كدرس وسراج عمر وسامي إحسان، رحمه الله، وبقية الفنانين الذين أثروا الساحة الموسيقية وتركوا روائع الأعمال الفنية التي لا نزال نستعيدها بكل فخر، ونشعر بالمسؤولية أن لدينا عمالقة يجب علينا أن نتم ما قد قدموه، يجب أن يكون هنالك ملحنون يحملون لواء الأغنية السعودية.
* على ذكر "الملحنين"؛ بعضهم رأى بعد غياب أسماء سامي إحسان وصالح الشهري عن الساحة، أنك تكاد تكون آخر المغردين.. هل ترى نفسك هكذا؟
- لا أرى ذلك، أنا أعمل وأجتهد على تقديم كل ما هو مميز. أجل، سابقاً، كنت كثيراً ما أرى نفسي ولكن الآن أرى نفسي في العمل الذي أقدمه وليس بالكلام كأن يقال أني آخر الملحنين.. هذا ليس صحيحا على الإطلاق. ربما يكون هنالك أناس غيري ولكن غير ظاهرين للساحة ويأتي الوقت الذي يظهرون للساحة ويثبتون وجودهم.
* أتفق معك أن هناك أسماء لحنية غير ظاهرة.. وكذلك أسماء ظهرت لسنوات وغابت عن المشهد الغنائي، بعضهم ربط غياب هؤلاء الملحنين، بوجود "الشاعر المنتج" الذي يساهم بدعم وإبقاء بعض الملحنين وإخفاء الآخر. هل هذا صحيح؟
- أبداً، ليس بصحيح، ربما ملحنٌ ينقذ شاعراً غير معروف، أما أن يقوم شاعر منتج بإبراز وإظهار ملحن.. أنظر ربما يتبنى ملحناً ما، ولكن أن يبرزه ويرتبط نجاحه بهذا الشاعر المنتج، لا أعتقد ذلك. أنا أتساءل عن غياب كثير من الملحنين، دعني أقول لك على سبيل المثال: صلاح الهملان من المنطقة الشرقية وكذلك علي منصور وهو أيضاً من الملحنين الجميلين واختفى فجأة، "أنا أتحسر" على اختفائهم، كان يفترض أن يثروا الساحة وأن يكون بيننا حماساً ومنافسة ولكن للأسف لا أراهم وكذلك أسماء أخرى اختفت، أتمنى أن تعود.
* سبق والتقينا بعلي منصور وكذلك الهملان، والأخير، رأى أن الملحن المرتبط بالشاعر المنتج هو التوجود في الساحة، وأن ارتباط الملحن بهذا الشاعر المنتج يرفع من حظوظه على حساب حظوظ ملحنين آخرين؟
- هذه وجهة نظره ولكن قد لا تكون صحيحة، أعتقد أن الشاعر أو المطرب أو المحن الحريص على فنه لديه طرائق كثيرة لإيصال هذا الفن. وليس بالضرورة أن يكون وصوله من خلال شاعر منتج.. أنا بدأت مع شعراء غير معروفين من المنطقة الشرقية، كالشاعر علي عسيري في بداياته ومحمد المنصور وإبراهيم الجنوبي.
* ولكن تلك مرحلة مختلفة عما نحن نعيشه الآن.. ألا تتفق معي أن هذه المرحلة أكثر احتكارية من السابق؟
- لا، أنا الآن أعمل مع شاعر اسمه عبدالله أبو راس وتقريباً بيني وبينه ثمة احتكارية والرجل موظف حكومي وليس منتجاً وهو شاعر مثله مثل أي شاعر لا ينتج أعماله ومعظم أعمالي في الفترة الأخيرة مع هذا الشاعر. وهنا كلامي لصلاح الهملان: يا صلاح أنت بإمكانك أن تجد الشاعر الذي تعمل معه "دويتو" وتبدع معه وتتركنا من الشاعر المنتج.. الخ. أنا الأقرب لي في "الشرقية" أتعامل معه، كأحمد علوي وأحمد عبدالحق وأبدأ بالتعاون معهم وهم شعراء، لك أن تظهر إبداعاتهم مع الفنانين.
* حسناً، مادمنا وصلنا للشعر، دعنا ننتقل لمسألة "تكنيكية" وهي أن القصيدة عندما تكون متنوعة الأوزان والقوافي، هل تحرضك أكثر من القصيدة ذات القافية الواحدة؛ في أن تقدم عملاً طربياً؟
- بالتأكيد، أنا استمتع بالنثر وبالكلمات الغنائية التي تضم نقلات معينة. بعض الشعراء، يكتب وكأنه ينتقل من مقام لمقام، كأنك تصغي للموسيقى، كأنك ترى اللحن أمامك. فكثير من هؤلاء الشعراء المتمرسين الجميلين يأسرونني، فعندما أقرأ لهم أعرف أن هنا "بيات" وهنا "رست" وأتحول إلى "سيكا" وأنا أتنقل بين المقاطع الشعرية التي تتنقل بدورها بين "الحجاز" و"الرصد" مع التنقل بين الأبيات نفسها.
* هل فكرت في خوض تلحين قصيدة فصيحة جديدة، كقصيدة النثر أو الشعر الحر أو التفعيلة وليس العمودي؟
- للأسف لم أحاول وإن كنت جربت شيئاً قريباً لبرنامج تلفزيوني وأفكر أن أخوضها كأغنية عربية فصيحة. ولا أخفيك أنا متخوف من هذه التجربة، أتمنى أن أجد النص الملائم وأنا في الحقيقة ليس لدي الذائقة الشعرية الكبيرة في الشعر الفصيح.. أحتاج حقاً للقراءة كثيراً كي أتمرس وأجد النص المحرض لخوض تجربة تلحين عمل غنائي فصيح، وهي من التجارب التي لم أعملها في حياتي.
* وهو ما ينتظره الجمهور المتذوق للموسيقى بالتأكيد؟
- مشكلتنا في شيء واحد. أنا ممكن ألحن قصيدة وأبدع فيها ولكن قبل أن أنفذها لابد أن أفكر في من سيغنيها. أنت أحضر لي الفنانين الذين يغنون "كلاسيك" حتى تأتي وتطلب منهم أن يغنوا "فصيح" أو طرب؟. فأنا يأتيني ما شاء الله، ربما عشرون فناناً شاباً يومياً، ولو طرحت عليه مثل هذه الفكرة، لما عاد زارني مرة أخرى. ولقال أكيد أن هذا متخلّف وسيعيدني للزمن القديم.
* للتوضيح فقط، ما أقصده بالفصيح، ربما قريب من التوليفة التي قدمها كاظم الساهر، حيث القصيدة الفصيحة الحديثة من جهة والتوزيع الموسيقي العصري؟
- عموماً، طرحك للفن بهذا الشكل جميل جداً، ونحن ننظر هكذا ونريد أن نصنع موسيقى ترتقي بنا وتعبر عنا، لا تتصور كم هي الأسماء الموسيقية وكم الملحنين الذين التقيهم في القاهرة ونشكو لبعض، بحق، لأننا "مللنا من "الطقطقة" وبودنا أن نغير أغنيتنا وأن ننقلها بشكل جديد على مستوى اللحن والموسيقى وأيضاً ندخل إليها التكنولوجيا المتقدمة بأن نحصل على أغنية لها قيمة. نحن بدأنا ولكن إن شاء الله على إيدينك.. نستمر، وهنا أعلن لك: أنا بعض الألحان "المكبلهة" إذا لم تجد فناناً يقدمها سأقدمها بنفسي وأنا لدي الجرأة وقد فعلتها سابقاً.. لأن مثل هذه الألوان من "الحرام" أن تبقى في الأدراج.
* ثمة مسألة نؤكد عليها وهي ضرورة التواصل بين الجميع (الصحفيين والفنانين والمثقفين) للخروج ما وصلت إليه الأغنية بعد أن ذهبت بعيداً في تلبية ما يريده الجمهور وحسب لا ما يريده الفن أيضاً؟
- صحيح. أنظر أنا لوحدي تعبت في تلك الفترة وحاربت من أجل الأغنية إلى أن كرهني معظم الفنانين حتى أصبحت لا أتحدث عن الأغنية الحديثة. والآن أصبحت معهم في نفس الموجة ورجعت معهم للأغنية السريعة، أعترف بهذا الشيء؛ هم خربوني (يضحك) يفترض أن أهدئهم قليلاً وإذا بي أصعد موجتهم. ولكن الآن خلاص. الناس تريد أن تسمع فناً وطرباً وليس "الهكص" والكلام الفاضي، هنالك جدية في تعامل الناس مع الحياة وسنصل إلى الجدية في التعامل مع الفن ولن يصبح الفن "كلام فارغ" والدليل أنني رجل تصلني رسائل تقول: "يا ناس بسنا من هذا النوع من الأغاني".
* لاحظت في السنوات الأخيرة دخول وسيطرة مجموعة أغانٍ؛ كلماتها، هي أقرب للعنوان الصحفي المثير منها إلى القصيدة ذات الفكرة الخاصة؟
- تقصد أغان للإثارة والجدل، بالضبط وهذا ما يتعمده معظم الفنانين. يقول فنان مثلاً: أريد أغنية غريبة، ليس مهماً فكرتها، أو أن تكون كلماتها تافهة أو ليس بها فكرة خاصة، المهم أن تنجح الأغنية وحسب. الأهم أن تضرب الأغنية.. حتى أصبح أي شيء يخدش الحياء، ينجح.
* ولكن ثمة أغانٍ درجت وانتشرت هذه الأيام لا تستساغ، قراءتها ككلمات، نتساءل: كيف لحنت وغنيت؟
- السبب هو أني أنا أيضاً كملحن أطرح ألحاني من دون وجود أحد يحاسبني، لأنه لا يوجد رقيب ولا يوجد أحدٌ يحاسبنا للأسف ما عاد هنالك إعلام يسأل؛ أنا أول مرة أرى فيها إعلامياً، لديه غيرة على الفن، منذ فترة طويلة. أما الإعلاميون في السابق كنا لا نجرؤ على طرح أي عمل أمامهم، لأننا كنا محاصرون بإعلاميين خطيرين جداً جداً. قد يكون ثمة إعلاميون ولكن سابقاً، عشت في زمن مبارك العوض وجيله الذين كانوا يطرحون فكر الأغنية وهم الذين كانوا يوجهوننا ما الأغنية، زمن (غدار أعرفك يا بحر) لمحروس الهاجري وزمن جمعية الثقافة والفنون بالدمام. لقد كان إعلاميو تلك الفترة يحاسبوننا على ما نقدم ويسألون: "أنت وش تقول"؟! هذا الكلام لا يغنى؟. أما الآن هنالك من يشجعك على كل شيء. إن للإعلام الدور الكبير في تغيير الساحة والفنان عندما يقرر أن يقدم عملا للناس، سيتذكر الإعلام وسيحرص على تقديم عمل يستحق أن يذاع للجمهور. أنا مثلاً قدمت عملاً بعنوان: (سحرني حلاها) أغنية سوق.. السوق يريد هكذا والأغنية نجحت. حسناً، هل تصدق أن كل المطربين "جايين عندي" يريدون أغنية مثل سحرني حلاها وأنا غلطان أني عملت عمل مثل هذا؛ أنت لا تعرف حجم سعادتي بنجاح أحد ألحاني ولكن ليس لدرجة نجاح عمل خفيف أو عمل "سوق"، لأن هذه السعادة والفرحة لا تقارن بفرحتي عند نجاح عمل "كلاسيك" أو "المكبله". هنا حقاً أجد المكافأة الحقيقية.
* طيب، ماذا ستفعل؟
- أجلس ألحن مثل "سحرني" طول الوقت (يضحك).
* أعتقد مثل هكذا ألحان لا تطور حتى الملحن نفسه لو بقي عليها طويلاً؟
- أبداً. ولكن لنكن صادقين، نحن نحتاج مثل هذه الألوان، فتخيل أننا مسافرون إلى مكان ما، ونبقى نصغي لأغنيات كلاسيك وطرب، سنصبح كالمجانين، لا شك نحتاج التغيير، أغنية في النصف (خفيفة) أغنية واحدة وليس بهذا الكم؟. أما الآن أصبحنا نريد أغنية "كلاسيك" واحدة ولا نجد!. حسناً أنا كملحن عندما أصعد سيارتي.. ماذا أسمع؟
* لاشك ليس هذه الأغاني؟
- ماذا تختار لي.
* ألست أم كلثوم؟
- سمعتها و"خلصت" كل هذي المناهج.. والله لن تصدق لو قلت لك، أني لم أعد أسمع شيئاً، إما أصغي للأخبار أو برامج أخرى.. لا يوجد شيء يشدني ويجعلني أحرص على اقتنائه.. كنت أحرص على مطربين معينين كفضل شاكر وشيرين وحتى هؤلاء لم يعودوا يقدموا ما نحب.
* أنا معك أن الأغنية ذات المقام الواحد مطلوبة ولكن يجب أن لا نتساهل فيها، الرحابنة قدموا أغنيات ذات مقام واحد ولكن برعوا في خلق "المزيكا" المصاحبة للصوت الفيروزي.. وهي أغانٍ صغيرة وبسيطة وشعبية؟
- نحن موسيقانا للأسف لا تزال تعتمد على الكلام؛ كمية الكلام المغنى أكثر من الموسيقى التي تسمعها. ارجع لأي أغنية جديدة تجد أن المقدمة الموسيقية صغيرة لا تتجاوز بضع ثوانٍ والغناء كثيرٌ بالمقارنة (الكلام أكثر من الموسيقى). نحن نريد موسيقى أكثر من الكلام.. فلقد شبعنا كلاماً وكلاماً.. أعطني كلاماً مختصراً ودعني أقدم عملاً فيه من الموسيقى ما تستحق الأغنية.
الفنانون يبحثون عن كلمات الإثارة وأي شيء يخدش الحياء ينجح!
* تحدثت مؤخراً عن مسألة غاية في الأهمية وهي العودة للاهتمام باللحن الطربي، متعدد المقامات، خصوصاً بعد أن أغرقت الساحة بهذا الكم من الأغاني السريعة والاستهلاكية؟
- المرحلة القادمة ستشهد ولادة أغانٍ طربية، وفي الحقيقية نحن لسنا متعمدين الابتعاد عنها وإنما الأجواء التي مررنا بها في السنوات الأخيرة أصبح المطربون مقلّون في تقديم مثل هكذا ألوان. وهنا أؤكد أن الكلام موجه للمطربين، فنحن ملحنين؛ نلحن كي يغني لنا المطربون، سواء أغان "مكبلهة" أو سريعة. الفترة الماضية، كان الفنانون الشباب مهتمين أكثر بالأغنية السريعة أو الخفيفة لأنهم يعتقدون أنها هي التي تشغلهم في الأفراح والحفلات، عكس الأغنية الطربية، التي يعتقد المطربون الشباب أيضاً، أن ليس لها مستمعين. أنا معهم في جزء ولست معهم في الجزء المتعلق باختياراتهم للأغنية السريعة. بالنسبة إلي، أعتقد قدمت كمية كبيرة من ألحان الأغاني السريعة والناجحة، تلك الأغاني التي يطلق عليها أغاني السوق، وبالتالي لاحظ كثير من محبي ناصر الصالح وأنا ايضاً، أني مقل في تقديم الأعمال الغنائية غير السريعة.. وكما أشرت لك الأمر يعود بالدرجة الأولى إلى ما يطلبه المطربون مني ولا يوجد طلب من المطربين الشباب على الأعمال الطربية.
«سحرني حلاها» أغنية للسوق فقط! لو طرحت على فنان شاب غناء الفصيح لما زارني ثانيةً!
* هل هذا يعود أيضاً لمستوى الوعي الفني والموسيقي للمطرب، هذه الأيام؟
- سأحدثك عني، أنظر، الناس تعودوا علي مع مطربين معينين كمحمد عبده ونوال، وبالتالي رجعت في ألبوم نوال القادم إلى تقديم أغاني "طربية"، ستجد هذا الشيء في الألبوم الجديد للفنانة (نوال) وهو من كلمات الشاعر عبدالله أبو راس وهو عمل ينتظره كثير من عشاق نوال وأيضاً ناصر الصالح في الألحان الطربية. وأيضاً لدي عمل قادم مع الفنان ماجد المهندس هو عمل "مكبله"، وبه مقامات (خارج ألبومه) وكذلك مع الفنان سعد الفهد وكلاهما في ذات الاتجاه. وأنا أعد بأني سأرجع للناس بأعمال دسمة وأعمال طربية.. لأني اعتقد أننا أكثرنا من الأغاني الخفيفة والناس بدأت تمل من هذه الأغاني وأنا نفسي بدأت استمل منها لكي نعود ونغني طرب له قيمة فنية.
للإعلام دور كبير في تغيير الساحة الفنية نريد موسيقى في أغنياتنا.. شبعنا كلاماً!
* خصوصاً لأن الأغنية السعودية بسبب هذا الابتعاد فقدت كثيراً من وهجها؟
- بلا شك، لأن الأغنية السريعة مهما كانت لا تبين ثقافتك ولا إمكانات الملحن الموسيقية، أغنية "طقطوقة"، تقدم من مقام واحد ومكان واحد، كيف يمكن أن تظهر إمكانات الملحن أو المطرب؟؛ ولكن العمل المتكامل هو تلك الأعمال التي تعودنا سماعها من عمالقة الفن في بداياتها في المملكة، على يد عمر كدرس وسراج عمر وسامي إحسان، رحمه الله، وبقية الفنانين الذين أثروا الساحة الموسيقية وتركوا روائع الأعمال الفنية التي لا نزال نستعيدها بكل فخر، ونشعر بالمسؤولية أن لدينا عمالقة يجب علينا أن نتم ما قد قدموه، يجب أن يكون هنالك ملحنون يحملون لواء الأغنية السعودية.
* على ذكر "الملحنين"؛ بعضهم رأى بعد غياب أسماء سامي إحسان وصالح الشهري عن الساحة، أنك تكاد تكون آخر المغردين.. هل ترى نفسك هكذا؟
- لا أرى ذلك، أنا أعمل وأجتهد على تقديم كل ما هو مميز. أجل، سابقاً، كنت كثيراً ما أرى نفسي ولكن الآن أرى نفسي في العمل الذي أقدمه وليس بالكلام كأن يقال أني آخر الملحنين.. هذا ليس صحيحا على الإطلاق. ربما يكون هنالك أناس غيري ولكن غير ظاهرين للساحة ويأتي الوقت الذي يظهرون للساحة ويثبتون وجودهم.
* أتفق معك أن هناك أسماء لحنية غير ظاهرة.. وكذلك أسماء ظهرت لسنوات وغابت عن المشهد الغنائي، بعضهم ربط غياب هؤلاء الملحنين، بوجود "الشاعر المنتج" الذي يساهم بدعم وإبقاء بعض الملحنين وإخفاء الآخر. هل هذا صحيح؟
- أبداً، ليس بصحيح، ربما ملحنٌ ينقذ شاعراً غير معروف، أما أن يقوم شاعر منتج بإبراز وإظهار ملحن.. أنظر ربما يتبنى ملحناً ما، ولكن أن يبرزه ويرتبط نجاحه بهذا الشاعر المنتج، لا أعتقد ذلك. أنا أتساءل عن غياب كثير من الملحنين، دعني أقول لك على سبيل المثال: صلاح الهملان من المنطقة الشرقية وكذلك علي منصور وهو أيضاً من الملحنين الجميلين واختفى فجأة، "أنا أتحسر" على اختفائهم، كان يفترض أن يثروا الساحة وأن يكون بيننا حماساً ومنافسة ولكن للأسف لا أراهم وكذلك أسماء أخرى اختفت، أتمنى أن تعود.
* سبق والتقينا بعلي منصور وكذلك الهملان، والأخير، رأى أن الملحن المرتبط بالشاعر المنتج هو التوجود في الساحة، وأن ارتباط الملحن بهذا الشاعر المنتج يرفع من حظوظه على حساب حظوظ ملحنين آخرين؟
- هذه وجهة نظره ولكن قد لا تكون صحيحة، أعتقد أن الشاعر أو المطرب أو المحن الحريص على فنه لديه طرائق كثيرة لإيصال هذا الفن. وليس بالضرورة أن يكون وصوله من خلال شاعر منتج.. أنا بدأت مع شعراء غير معروفين من المنطقة الشرقية، كالشاعر علي عسيري في بداياته ومحمد المنصور وإبراهيم الجنوبي.
* ولكن تلك مرحلة مختلفة عما نحن نعيشه الآن.. ألا تتفق معي أن هذه المرحلة أكثر احتكارية من السابق؟
- لا، أنا الآن أعمل مع شاعر اسمه عبدالله أبو راس وتقريباً بيني وبينه ثمة احتكارية والرجل موظف حكومي وليس منتجاً وهو شاعر مثله مثل أي شاعر لا ينتج أعماله ومعظم أعمالي في الفترة الأخيرة مع هذا الشاعر. وهنا كلامي لصلاح الهملان: يا صلاح أنت بإمكانك أن تجد الشاعر الذي تعمل معه "دويتو" وتبدع معه وتتركنا من الشاعر المنتج.. الخ. أنا الأقرب لي في "الشرقية" أتعامل معه، كأحمد علوي وأحمد عبدالحق وأبدأ بالتعاون معهم وهم شعراء، لك أن تظهر إبداعاتهم مع الفنانين.
* حسناً، مادمنا وصلنا للشعر، دعنا ننتقل لمسألة "تكنيكية" وهي أن القصيدة عندما تكون متنوعة الأوزان والقوافي، هل تحرضك أكثر من القصيدة ذات القافية الواحدة؛ في أن تقدم عملاً طربياً؟
- بالتأكيد، أنا استمتع بالنثر وبالكلمات الغنائية التي تضم نقلات معينة. بعض الشعراء، يكتب وكأنه ينتقل من مقام لمقام، كأنك تصغي للموسيقى، كأنك ترى اللحن أمامك. فكثير من هؤلاء الشعراء المتمرسين الجميلين يأسرونني، فعندما أقرأ لهم أعرف أن هنا "بيات" وهنا "رست" وأتحول إلى "سيكا" وأنا أتنقل بين المقاطع الشعرية التي تتنقل بدورها بين "الحجاز" و"الرصد" مع التنقل بين الأبيات نفسها.
* هل فكرت في خوض تلحين قصيدة فصيحة جديدة، كقصيدة النثر أو الشعر الحر أو التفعيلة وليس العمودي؟
- للأسف لم أحاول وإن كنت جربت شيئاً قريباً لبرنامج تلفزيوني وأفكر أن أخوضها كأغنية عربية فصيحة. ولا أخفيك أنا متخوف من هذه التجربة، أتمنى أن أجد النص الملائم وأنا في الحقيقة ليس لدي الذائقة الشعرية الكبيرة في الشعر الفصيح.. أحتاج حقاً للقراءة كثيراً كي أتمرس وأجد النص المحرض لخوض تجربة تلحين عمل غنائي فصيح، وهي من التجارب التي لم أعملها في حياتي.
* وهو ما ينتظره الجمهور المتذوق للموسيقى بالتأكيد؟
- مشكلتنا في شيء واحد. أنا ممكن ألحن قصيدة وأبدع فيها ولكن قبل أن أنفذها لابد أن أفكر في من سيغنيها. أنت أحضر لي الفنانين الذين يغنون "كلاسيك" حتى تأتي وتطلب منهم أن يغنوا "فصيح" أو طرب؟. فأنا يأتيني ما شاء الله، ربما عشرون فناناً شاباً يومياً، ولو طرحت عليه مثل هذه الفكرة، لما عاد زارني مرة أخرى. ولقال أكيد أن هذا متخلّف وسيعيدني للزمن القديم.
* للتوضيح فقط، ما أقصده بالفصيح، ربما قريب من التوليفة التي قدمها كاظم الساهر، حيث القصيدة الفصيحة الحديثة من جهة والتوزيع الموسيقي العصري؟
- عموماً، طرحك للفن بهذا الشكل جميل جداً، ونحن ننظر هكذا ونريد أن نصنع موسيقى ترتقي بنا وتعبر عنا، لا تتصور كم هي الأسماء الموسيقية وكم الملحنين الذين التقيهم في القاهرة ونشكو لبعض، بحق، لأننا "مللنا من "الطقطقة" وبودنا أن نغير أغنيتنا وأن ننقلها بشكل جديد على مستوى اللحن والموسيقى وأيضاً ندخل إليها التكنولوجيا المتقدمة بأن نحصل على أغنية لها قيمة. نحن بدأنا ولكن إن شاء الله على إيدينك.. نستمر، وهنا أعلن لك: أنا بعض الألحان "المكبلهة" إذا لم تجد فناناً يقدمها سأقدمها بنفسي وأنا لدي الجرأة وقد فعلتها سابقاً.. لأن مثل هذه الألوان من "الحرام" أن تبقى في الأدراج.
* ثمة مسألة نؤكد عليها وهي ضرورة التواصل بين الجميع (الصحفيين والفنانين والمثقفين) للخروج ما وصلت إليه الأغنية بعد أن ذهبت بعيداً في تلبية ما يريده الجمهور وحسب لا ما يريده الفن أيضاً؟
- صحيح. أنظر أنا لوحدي تعبت في تلك الفترة وحاربت من أجل الأغنية إلى أن كرهني معظم الفنانين حتى أصبحت لا أتحدث عن الأغنية الحديثة. والآن أصبحت معهم في نفس الموجة ورجعت معهم للأغنية السريعة، أعترف بهذا الشيء؛ هم خربوني (يضحك) يفترض أن أهدئهم قليلاً وإذا بي أصعد موجتهم. ولكن الآن خلاص. الناس تريد أن تسمع فناً وطرباً وليس "الهكص" والكلام الفاضي، هنالك جدية في تعامل الناس مع الحياة وسنصل إلى الجدية في التعامل مع الفن ولن يصبح الفن "كلام فارغ" والدليل أنني رجل تصلني رسائل تقول: "يا ناس بسنا من هذا النوع من الأغاني".
* لاحظت في السنوات الأخيرة دخول وسيطرة مجموعة أغانٍ؛ كلماتها، هي أقرب للعنوان الصحفي المثير منها إلى القصيدة ذات الفكرة الخاصة؟
- تقصد أغان للإثارة والجدل، بالضبط وهذا ما يتعمده معظم الفنانين. يقول فنان مثلاً: أريد أغنية غريبة، ليس مهماً فكرتها، أو أن تكون كلماتها تافهة أو ليس بها فكرة خاصة، المهم أن تنجح الأغنية وحسب. الأهم أن تضرب الأغنية.. حتى أصبح أي شيء يخدش الحياء، ينجح.
* ولكن ثمة أغانٍ درجت وانتشرت هذه الأيام لا تستساغ، قراءتها ككلمات، نتساءل: كيف لحنت وغنيت؟
- السبب هو أني أنا أيضاً كملحن أطرح ألحاني من دون وجود أحد يحاسبني، لأنه لا يوجد رقيب ولا يوجد أحدٌ يحاسبنا للأسف ما عاد هنالك إعلام يسأل؛ أنا أول مرة أرى فيها إعلامياً، لديه غيرة على الفن، منذ فترة طويلة. أما الإعلاميون في السابق كنا لا نجرؤ على طرح أي عمل أمامهم، لأننا كنا محاصرون بإعلاميين خطيرين جداً جداً. قد يكون ثمة إعلاميون ولكن سابقاً، عشت في زمن مبارك العوض وجيله الذين كانوا يطرحون فكر الأغنية وهم الذين كانوا يوجهوننا ما الأغنية، زمن (غدار أعرفك يا بحر) لمحروس الهاجري وزمن جمعية الثقافة والفنون بالدمام. لقد كان إعلاميو تلك الفترة يحاسبوننا على ما نقدم ويسألون: "أنت وش تقول"؟! هذا الكلام لا يغنى؟. أما الآن هنالك من يشجعك على كل شيء. إن للإعلام الدور الكبير في تغيير الساحة والفنان عندما يقرر أن يقدم عملا للناس، سيتذكر الإعلام وسيحرص على تقديم عمل يستحق أن يذاع للجمهور. أنا مثلاً قدمت عملاً بعنوان: (سحرني حلاها) أغنية سوق.. السوق يريد هكذا والأغنية نجحت. حسناً، هل تصدق أن كل المطربين "جايين عندي" يريدون أغنية مثل سحرني حلاها وأنا غلطان أني عملت عمل مثل هذا؛ أنت لا تعرف حجم سعادتي بنجاح أحد ألحاني ولكن ليس لدرجة نجاح عمل خفيف أو عمل "سوق"، لأن هذه السعادة والفرحة لا تقارن بفرحتي عند نجاح عمل "كلاسيك" أو "المكبله". هنا حقاً أجد المكافأة الحقيقية.
* طيب، ماذا ستفعل؟
- أجلس ألحن مثل "سحرني" طول الوقت (يضحك).
* أعتقد مثل هكذا ألحان لا تطور حتى الملحن نفسه لو بقي عليها طويلاً؟
- أبداً. ولكن لنكن صادقين، نحن نحتاج مثل هذه الألوان، فتخيل أننا مسافرون إلى مكان ما، ونبقى نصغي لأغنيات كلاسيك وطرب، سنصبح كالمجانين، لا شك نحتاج التغيير، أغنية في النصف (خفيفة) أغنية واحدة وليس بهذا الكم؟. أما الآن أصبحنا نريد أغنية "كلاسيك" واحدة ولا نجد!. حسناً أنا كملحن عندما أصعد سيارتي.. ماذا أسمع؟
* لاشك ليس هذه الأغاني؟
- ماذا تختار لي.
* ألست أم كلثوم؟
- سمعتها و"خلصت" كل هذي المناهج.. والله لن تصدق لو قلت لك، أني لم أعد أسمع شيئاً، إما أصغي للأخبار أو برامج أخرى.. لا يوجد شيء يشدني ويجعلني أحرص على اقتنائه.. كنت أحرص على مطربين معينين كفضل شاكر وشيرين وحتى هؤلاء لم يعودوا يقدموا ما نحب.
* أنا معك أن الأغنية ذات المقام الواحد مطلوبة ولكن يجب أن لا نتساهل فيها، الرحابنة قدموا أغنيات ذات مقام واحد ولكن برعوا في خلق "المزيكا" المصاحبة للصوت الفيروزي.. وهي أغانٍ صغيرة وبسيطة وشعبية؟
- نحن موسيقانا للأسف لا تزال تعتمد على الكلام؛ كمية الكلام المغنى أكثر من الموسيقى التي تسمعها. ارجع لأي أغنية جديدة تجد أن المقدمة الموسيقية صغيرة لا تتجاوز بضع ثوانٍ والغناء كثيرٌ بالمقارنة (الكلام أكثر من الموسيقى). نحن نريد موسيقى أكثر من الكلام.. فلقد شبعنا كلاماً وكلاماً.. أعطني كلاماً مختصراً ودعني أقدم عملاً فيه من الموسيقى ما تستحق الأغنية.