• ×
السبت 18 شوال 1445
الدكتور:نزار السامرائي

الحلقة قبل الأخيرة من كتاب " في قصور آيات الله "

الدكتور:نزار السامرائي

 0  0  1.4K
كل متر نقطعه الآن على الطريق يقربنا من العراق

كان كل متر نقطعه الآن على الطريق يقربنا مترا من العراق، كانت الثلوج ما تزال تتساقط، والطريق كان محفوفا بمخاطر جمة، كانت وجهتنا الحدود الشرقية للعراق، ونقطة المنذرية بالذات ولكنْ من نقطة خسروي الإيرانية وعبر قصر شيرين، آخر قصور آيات الله، ولذا كان علينا أنْ نصل محافظة كرمنشاه مساء يوم الثلاثاء 22/1/2002، هذه المحافظة تم تبديل اسمها قبل بضع سنوات إلى باختران أي الغربية، ولكنّها استعادت اسمها القديم من دون إعطاء سبب للتغيير أو إعادة الاسم القديم، وسارت القافلة محفوفة بأدعية الأسرى المتلهفين للوصول قبل أنْ يغير الإيرانيون موقفهم! .

وفي الطريق علمنا أنّ هناك محطة جديدة سنتوقف فيها هي مقر إحدى قيادات الفرق العسكرية في همدان، لتناول طعام الغداء ثم مواصلة المسير، بالممارسة نحن نعرف أنّ كل طرف إيراني لا بد أنْ يضع توقيعه على كل خطوة، كي يشعر بنشوة الدور الذي يريد رسمه لنفسه، ولذا كان بالإمكان اختزال الكثير من الخطوات التي اعتبرناها زائدة تماما وثقيلة على أعصابنا المشدودة عن آخرها، ولكنّنا ما نزال تحت سيطرة الجانب الإيراني ولم يكن بوسعنا أنْ نفكر بصوت عال أو أنْ ننقل هذه الأفكار من داخل رؤوسنا إلى خارجها، بعد أنْ وصلنا مقرّ الفرقة في همدان، رحب بنا ضباطها متمنين لنا عودة سالمة إلى ربوع الوطن وأحضان الأهل، تناولنا الغداء على الرغم من وجود خطأ في المثابة التي كان علينا الوصول إليها، بسبب التضارب في اجتهادات ضباط الارتباط الإيرانيين المرافقين للقافلة، مما أدى إلى تأخير إضافي زاد على ساعتين، وكأن الأمر فلم مليودراما، كم كان هذا الوقت الضائع عسيراً على الفهم قاسياً على القلب مثيراً للمواجع.

بعد الغداء أبلغنا بضرورة التحرك بسرعة، لأنّ لجنة من الصليب الأحمر تنتظرنا في منطقة قصر شيرين التي لا تبعد عن الحدود كثيراً، وحوالي الساعة الخامسة عصراً كانت سياراتنا تصطف تباعا أمام مسجد مدينة قصر شيرين، والذي توزع عليه أعضاء فريق اللجنة الدولية للصليب الأحمر، هذا الجامع رأيته قبل أكثر من واحد وعشرين عاما، حينما جئت بفريق صحفي عالمي، في الأسابيع الأولى للحرب، ولكنّه اليوم يمثل بالنسبة لي سفينة ستبحر بي وبرفاقي، من عالم البرزخ إلى عالم الخلود في جنة الله في الأرض...
العراق.

وجدنا أنّ أعضاء فريق الصليب قد توزعوا بحرص بالغ واهتمام على إنجاز مهمتهم بأسرع وقت، وقف الأسرى في طوابير متعددة، كان رجال الصليب الأحمر يتراكضون في كل الاتجاهات من أجل عدم إضاعة دقيقة من الوقت الذي ينظرون إليه كسيف يمكن أنْ يقطع مهمتهم لأي سبب أو دونما سبب، فالإيرانيون لا يمكن لأحد أنْ يتكهّن بخطوتهم اللاحقة، ويمكن أنْ يغيروا رأيهم في اللحظة الأخيرة ويلغوا التبادل بكامله، وهم يتحركون في ذلك ليس من استنتاجات، وإنّما من تجارب ميدانية تجرعوا هم والأسرى العراقيّون مرارة ضياع فرصة وصلت إلى نهاياتها السعيدة لولا تقلب المزاج السياسي الإيراني، كان فريق الصليب يعي جيدا حجم المأساة التي سيخلفها إرجاع أسير واحد عليه أو على زملائه وعائلته، وقد يفقد حياته نتيجة أزمة قلبية طارئة في مثل ظروف كهذه .

لذلك كانوا يحثوننا على الانتهاء من الإجراءات الإدارية في تثبيت الأسماء الصريحة والرتب الصحيحة، مع العناوين الدقيقة، لأنّ سلطة الإيرانيين انتهت منذ الآن، وجاء دور التوثيق الدقيق للمعلومات بلا خوف أو حذر، حينما جاء دوري ورأيت الصليب الأحمر لأول مرة منذ أسري قبل عشرين عاماً، وتيقَّنت أنّهم بشر مثلي تماما، ويتحدثون ويسمعون ويرون ويأكلون الطعام، سألت السيدة المكلفة بتدوين معلوماتي، قلت أين كنتم كل هذا الزمن؟ هل كان الأمر يحتاج كل هذا الوقت؟ قالت بحميمية وحرارة، نحن هنا لإنجاز مهمة ترحيلكم بأسرع وقت .

قبل أنْ نشعر بندم مميت، أرجوك ساعدني ببياناتك بأسرع وقت وحينما تستقر في بلدك اسأل عن كل ما تريد معرفته عن دورنا وستجد أنّنا حينما نمنع عن زيارة معظم الأسرى، فنحن نفضل تقديم خدماتنا لأي عدد متاح لنا، المهم أكملت تفاصيل اسمي وعنواني، ولأول مرة أعطيت اسمي الصحيح كاملا مع اللقب ووظيفتي الحقيقية، وغادرت الغرفة الشبيهة بقاعة التصويت في الانتخابات في عالم الديمقراطيات الغربية .

الدكتور : نزار السامرائي
عميد الاسرى العراقيين
في سجون ايران